للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨)(١). قال مُطرِّف بن عبد الله بن الشخير: أنصح عباد الله للمؤمنين الملائكة ثم تلا هذه الآية ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ﴾ الآية وأغش عباده للمؤمنين الشياطين (٢).

وقوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أي: الذي لا يمانع ولا يغالب وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن الحكيم في أقوالك وأفعالك من شرعك وقدرك

﴿وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾ أي: فعلها أو وبالها ممن وقعت منه ﴿وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ﴾ أي: يوم القيامة ﴿فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ أي: لطفت به ونجيته من العقوبة ﴿وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (١٤)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن الكفار إنهم ينادون يوم القيامة وهم في غمرات النيران يتلظون، وذلك عندما باشروا من عذاب الله تعالى ما لا قِبلَ لأحد به، فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة التي كانت سبب دخولهم إلى النار، فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخبارًا عاليًا نادوهم نداء بأن مقت الله تعالى لهم في الدنيا حين كان يعرض عليهم الإيمان فيكفرون أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة.

قال قتادة في قوله تعالى: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ يقول: لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا فتركوه وأبَوا أن يقبلوه أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة (٣)، وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذرُّ بن عبيد الله الهمداني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير (٤) الطبري رحمة الله عليهم أجمعين.

وقوله: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ قال الثوري: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود هذه الآية كقوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨)(٥) [البقرة]. وكذا قال ابن عباس


(١) أخرجه الطبري من طريق شريك عن سعيد بنحوه وسنده مرسل.
(٢) أخرجه البُستي والطبري بسند صحيح من طريق قتادة عن مُطرِّف مع تقديم وتأخير.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) قول الحسن عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وأخرجه البُستي بسند حسن عن الحسن، هو وقول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول عبد الرحمن بن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٥) أخرجه الطبري من طريق الثوري به وسنده صحيح، وأخرجه الحاكم من طريق أبي إسحاق به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٣٧).