للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والضحاك وقتادة وأبو مالك (١). وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية.

وقال السدي: أميتُوا في الدنيا ثم أحيُوا في قبورهم فخوطبوا، ثم أُميتوا ثم أُحيوا يوم القيامة (٢).

وقال ابن زيد: أُحيوا حين أُخذ عليهم الميثاق من صلب آدم ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة (٣).

وهذان القولان من السدي وابن زيد ضعيفان لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات، والصحيح قول ابن مسعود وابن عباس ومن تابعهما.

والمقصود من هذا كله أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي الله ﷿ في عرصات القيامة كما قال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)[السجدة]، فلا يُجابون، ثم إذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا عليها ونظروا إلى ما فيها من العذاب والنكال سألوا الرجعة أشد مما سألوا أول مرة فلا يجابون قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨)[الأنعام] فإذا دخلوا النار وذاقوا مسّها وحسيسها ومقامعها وأغلالها كان سؤالهم للرجعة أشد وأعظم ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧)[فاطر]، ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)[المؤمنون]، وفي هذه الآية الكريمة تلطفوا في السؤال وقدموا بين يدي كلامهم مقدمة وهي قولهم: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ أي: قدرتك عظيمة فإنك أحييتنا بعد ما كنا أمواتًا ثم أمتنا ثم أحييتنا فأنت قادر على ما تشاء، وقد اعترفنا بذنوبنا وإننا كنا ظالمين لأنفسنا في الدار الدنيا ﴿فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾ أي: فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار الدنيا فإنك قادر على ذلك لنعمل غير الذي كنا نعمل، فإن عدنا إلى ما كنا فيه فإنا ظالمون، فأجيبوا أن لا سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا، ثم علَّل المنع من ذلك بأن سجاياكم لا تقبل الحق ولا تقتضيه بل تجحده وتنفيه، ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا﴾ أي: أنتم هكذا تكونون وإن رددتم إلى الدار الدنيا كما قال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨].

وقوله: ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ أي: هو الحاكم في خلقه العادل الذي لا يجور، فيهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يشاء، ويعذب من يشاء لا إله إلا هو.

وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ أي: يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العلوي والسفلي من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، ويتقوى بسابقه ولاحقه، وقول الضحاك أخرجه البُستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول أبي مالك أخرجه الطبري بسندين يقوي أحدهما الآخر.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد.