للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه فإنه يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر.

قال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)﴾: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء أو تمرُّ به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غضَّ بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله تعالى من قلبه أنه ودَّ أن لو اطلع على فرجها (١). رواه ابن أبي حاتم.

وقال الضحاك: ﴿خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾ هو: الغمز وقول الرجل: رأيت ولم يرَ، أو: لم أرَ، وقد رأى.

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: يعلم الله تعالى من العين في نظرها هل تريد الخيانة أم لا (٢)؟ وكذا قال مجاهد وقتادة (٣).

وقال ابن عباس: في قوله تعالى: ﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ يعلم إذا أنت قدرت عليها هل تزني بها أم لا؟ (٤).

وقال السدي: ﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ أي: من الوسوسة.

وقوله: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ أي: يحكم بالعدل.

قال الأعمش: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (٥). وهذا الذي فسر به ابن عباس هذه الآية كقوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١]، وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ أي: من الأصنام والأوثان والأنداد ﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ أي: لا يملكون شيئًا ولا يحكمون بشيء ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ أي: سميع لأقوال خلقه بصير بهم فيهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحاكم العادل في جميع ذلك.

﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٢١) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٢)﴾.

يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا﴾ هؤلاء المكذبون برسالتك يا محمد ﴿فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: من الأُمم المكذبة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما حلَّ بهم من العذاب والنكال مع أنهم كانوا أشد من هؤلاء قوة ﴿وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: أثروا في


(١) نسبه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وابن أبي شيبة، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق منصور عن ابن عباس (المصنف ٣/ ٤١٠) وسنده ضعيف لأن منصورًا لم يسمع من ابن عباس ويتقوى بما يليه.
(٢) أخرجه البستي والطبري بسند حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٤) الخبر تتمة لقبل سابقه.
(٥) الخبر تتمة لسابقه.