الأرض من البنايات والمعالم والديارات ما لا يقدر هؤلاء عليه كما قال: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ [الأحقاف: ٢٦]، وقال تعالى: ﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ [الروم: ٩] أي: مع هذه القوة العظيمة والبأس الشديد أخذهم الله بذنوبهم وهي كفرهم برسلهم ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾ أي: وما دفع عنهم عذاب الله أحد ولا رده عنهم راد، ولا وقاهم واق، ثم ذكر علة أخذه إياهم وذنوبهم التي ارتكبوها واجترموها فقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي: بالدلائل الواضحات والبراهين القاطعات ﴿فَكَفَرُوا﴾ أي: مع هذا البيان والبرهان كفروا وجحدوا ﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ﴾ تعالى أي: أهلكهم ودمر عليهم وللكافرين أمثالها ﴿إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أي: ذو قوة عظيمة وبطش شديد وهو ﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أي: عقابه أليم شديد وجيع، أعاذنا الله منه.
يقول تعالى مسليًا لنبيه محمد ﷺ في تكذيب من كذبه من قومه ومبشرًا له بأن العاقبة والنصرة له في الدنيا والآخرة كما جرى لموسى بن عمران ﵇ فإن الله تعالى أرسله بالآيات البينات. والدلائل الواضحات. ولهذا قال تعالى: ﴿بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ والسلطان هو الحجة والبرهان
﴿إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ وهو ملك القبط بالديار المصرية ﴿وَهَامَانَ﴾ وهو وزيره في مملكته ﴿وَقَارُونَ﴾ وكان أكثر الناس في زمانه مالًا وتجارة ﴿فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ أي: كذبوه وجعلوه ساحرًا مجنونًا مموهًا كذابًا في أن الله أرسله وهذه كقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣)﴾ [الذاريات].
﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا﴾ أي: بالبرهان القاطع الدال على أن الله تعالى أرسله إليهم ﴿قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ﴾ وهذا أمر ثانٍ من فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل. أما الأول فكان لأجل الاحتراز من وجود موسى أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عددهم أو لمجموع الأمرين، وأما الأمر الثاني فللعلَّة الثانية ولإهانة هذا الشعب ولكي يتشاءموا بموسى ﵇ ولهذا قالوا: ﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٩].
قال قتادة: هذا أمر بعد أمر (١)، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ أي: وما مكرهم وقصدهم الذي هو تقليل عدد بني إسرائيل لئلا ينصروا عليهم إلا ذاهب وهالك في ضلال
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ وهذا عزم من فرعون لعنه الله تعالى إلى قتل