للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

موسى ؛ أي: قال لقومه: دعوني حتى أقتل لكم هذا ﴿وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ أي لا أبالي به، وهذا في غاية الجحد والتهجم والعناد، وقوله قبحه الله: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ يعني: موسى، يخشى فرعون أن يضل موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم، وهذا كما يقال في المثل: صار فرعون مُذَكِّرًا؛ يعني: واعظًا يشفق على الناس من موسى . وقرأ الأكثرون: ﴿أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ وقرأ آخرون ﴿أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ (١) وقرأ بعضهم ﴿يَظْهَر في الأرض الفسادُ﴾ بالضم (٢).

وقال موسى: ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ أي: لما بلغه قول فرعون: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى﴾ قال موسى : استجرت بالله وعذت به من شره وشر أمثاله ولهذا قال: ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ أيها المخاطبون ﴿مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ﴾ أي: عن الحق مجرم ﴿لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ ولهذا جاء في الحديث عن أبي موسى أن رسول الله كان إذا خاف قومًا قال: "اللَّهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نحورهم" (٣).

﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (٢٩)﴾.

المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيًا من آل فرعون قال السدي: كان ابن عم فرعون، ويقال: إنه الذي نجا مع موسى (٤)، واختاره ابن جرير وردَّ قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيليًا، لأن فرعون انفعل لكلامه واستمعه وكفَّ عن قتل موسى ، ولو كان إسرائيليًا لأوشك أن يعاجل بالعقوبة لأنه منهم.

وقال ابن جريج، عن عباس لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون والذي قال: ﴿يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ [القصص: ٢٠]، رواه ابن أبي حاتم (٥).

وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط فلم يظهر إلا هذا اليوم حين قال فرعون: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى﴾ فأخذت الرجل غضبة لله ﷿ وأفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر كما ثبت بذلك الحديث، ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ اللَّهم إلا ما رواه البخاري في صحيحه حيث قال: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، حدثني عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص : أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله . قال: بينا رسول الله يصلي بفناء الكعبة


(١) القراءتان متواترتان.
(٢) وهي قراءة متواترة أيضًا.
(٣) أخرجه الإمام أحمد وحسنه محققوه (المسند ٣٢/ ٤٩٣ ح ١٩٧١٩).
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٥) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم وابن المنذر وسنده ضعيف لأن ابن جريج لم يلق ابن عباس.