للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسفك دماءهم (١)، وقد ذكر أن النمرود أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، وأما الذين راموا صلب المسيح من اليهود فسلط الله تعالى عليهم الروم، فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى بن مريم إمامًا عادلًا وحكمًا مقسطًا، فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود ويقتل الخنزير ويكسر الصليب، ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام وهذه نصرة عظيمة وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقرَّ أعينهم ممن آذاهم، ففي صحيح البخاري، عن أبي هريرة ، عن رسول الله أنه قال: "يقول الله من عادى لي وليًا فقد بارزني بالحرب" (٢).

وفي الحديث الآخر: "إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث بالحرب" ولهذا أهلك الله تعالى قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرسِّ وقوم لوط وأهل مدين وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق. وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين فلم يهلك منهم أحدًا وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحدًا (٣).

قال السدي لم يبعث الله رسولًا قط إلى قوم فيقتلونه أو قومًا من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا قال، فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها (٤). وهكذا نصر الله نبيه محمدًا وأصحابه على من خالفه وناوأه وكذبه وعاداه، فجعل كلمته هي العليا ودينه هو الظاهر على سائر الأديان، وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة النبوية وجعل له فيها أنصارًا وأعوانًا، ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر فنصره عليهم وخذلهم له وقتل صناديدهم، وأسر سراتهم فاستاقهم مقرنين في الأصفاد، ثم منَّ عليهم بأخذه الفداء منهم، ثم بعد مدة قريبة فتح عليه مكة، فقرَّت عينه ببلده وهو البلد المحرم الحرام المشرف المعظم، فأنفذه الله تعالى به مما كان فيه من الكفر والشرك وفتح له اليمن ودانت له جزيرة العرب بكاملها ودخل الناس في دين الله أفواجًا، ثم قبضه الله تعالى إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة فأقام الله أصحابه خلفاء بعده فبلغوا عنه دين الله ودعوا عباد الله تعالى إلى الله، وفتحوا البلاد والرساتيق والأقاليم والمدائن والقرى والقلوب حتى انتشرت الدعوة المحمدية في مشارق الأرض ومغاربها. ثم لا يزال هذا الدين قائمًا منصورًا ظاهرًا إلى قيام الساعة ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)﴾ أي: يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجل.

قال مجاهد: الأشهاد الملائكة (٥).

وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ بدل من قوله: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ وقرأ آخرون


(١) ذكره الطبري بمعناه مختصرًا.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ٩٨.
(٣) في متنه غرابة.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي مختصرًا.
(٥) أخرجه الثوري بسند صحيح عن الأعمش عن مجاهد، وأخرجه الطبري من طريق الثوري به.