للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يوم بالرفع (١) كأنه فسره به ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ﴾ وهم المشركون ﴿مَعْذِرَتُهُمْ﴾ أي: لا يقبل منهم عذر ولا فدية ﴿وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ أي: الإبعاد والطرد من الرحمة ﴿وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ وهي النار قاله السدي، بئس المنزل والمقيل.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ أي: سوء العاقبة.

وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى﴾ وهو ما بعثه الله به من الهدى والنور ﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾ أي: جعلنا لهم العاقبة وأورثناهم بلاد فرعون وأمواله وحواصله وأرضه بما صبروا على طاعة الله واتباع رسوله موسى وفي الكتاب الذي أورثوه وهو التوراة ﴿هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٥٤)﴾ وهي العقول الصحيحة السليمة.

وقوله: ﴿فَاصْبِرْ﴾ أي يا محمد ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ أي: وعدناك أنا سنعلي كلمتك ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك، والله لا يخلف الميعاد وهذا الذي أخبرناك به حق لا مرية فيه ولا شك وقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ هذا تهييج للأمة على الاستغفار ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ﴾ أي: في أواخر النهار وأوائل الليل ﴿وَالْإِبْكَارِ﴾ وهي أول النهار وأواخر الليل.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ أي: يدفعون الحق بالباطل ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ أي: ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحق واحتقار لمن جاءهم به وليس ما يرومونه من إخماد الحق وإعلاء الباطل بحاصل لهم بل الحق هو المرفوع وقولهم وقصدهم هو الموضوع ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ أي: من حال مثل هؤلاء ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ أو من شر مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان هذا تفسير ابن جرير.

وقال كعب وأبو العالية: نزلت هذه الآية في اليهود ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ قال أبو العالية: وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم وأنهم يملكون به الأرض فقال الله تعالى لنبيه آمرًا له أن يستعيذ من فتنة الدجال ولهذا قال: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (٢) وهذا قول غريب وفيه تعسف بعيد، وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه، والله أعلم.

﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٩)﴾.

يقول تعالى منبهًا على أنه يعيد الخلائق يوم القيامة، وأن ذلك سهل عليه يسير لديه بأنه خلق السماوات والأرض، وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة وإعادة، فمن قدر على ذلك فهو قادر


(١) وهي قراءة شاذة على التفسير.
(٢) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم وقال بسند صحيح عن أبي العالية. لكنه مرسل. وقول كعب عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.