للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على ما دونه بطريق الأولى والأخرى كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)[الأحقاف] وقال ههنا: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)﴾ فلهذا لا يتدبرون هذه الحجة ولا يتأملونها كما كان كثير من العرب يعترفون بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض وينكرون المعاد استبعادًا وكفرًا وعنادًا، وقد اعترفوا بما هو أولى مما أنكروا.

ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (٥٨)﴾ أي: كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئًا والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره، بل بينهما فرق عظيم كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار والكفرة الفجار ﴿قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ أي: ما أقل ما يتذكر كثير من الناس

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ أي: لكائنة وواقعة ﴿لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: لا يصدقون بها بل يكذبون بوجودها.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا أشهب، حدثنا مالك، عن شيخ قديم من أهل اليمن قدم من ثم قال: سمعت أن الساعة إذا دنت اشتد البلاء على الناس واشتد حرُّ الشمس (١).

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)﴾.

هذا من فضله وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه وتكفل لهم بالإجابة كما كان سفيان الثوري يقول: يا مَن أحب عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله، ويا مَن أبغض عباده إليه من لم يسأله وليس أحد كذلك غيرك يا ربّ. رواه ابن أبي حاتم وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

الله يغضب إن تركت سؤاله … وبُنَيُّ آدم حين يسأل يغضب

وقال قتادة: قال كعب الأحبار أُعطيت هذه الأمة ثلاثًا لم تعطهن أمة قبلها ولا نبي: كان إذا أرسل الله نبيًا قال له: أنت شاهد على أمتك وجعلتكم شهداء على الناس، وكان يُقال له: ليس عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وكان يُقال له: ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (٢) رواه ابن أبي حاتم.

وقال الإمام الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده: حدثنا أبو إبراهيم الترجماني، حدثنا صالح [المرّي] (٣) قال: سمعت الحسن يحدث عن أنس بن مالك ، عن النبي فيما يروي عن ربه ﷿ قال: "أربع خصال واحدة منهن لي وواحدة لك وواحدة بيني


(١) رجاله ثقات لكن الإمام مالك لم يصرح باسم شيخه، وعلى كل حال هو مقطوع.
(٢) سنده مرسل ومعناه صحيح وله شواهد تقويه.
(٣) كذا في (مح) ومسند أبي يعلى، وفي الأصل: و (حم) صُحف إلى: "المزي".