وجوههم تارة إلى الحميم وتارة إلى الجحيم ولهذا قال تعالى: ﴿يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢)﴾ كما قال تعالى: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)﴾ [الرحمن]، وقال تعالى بعد ذكر أكلهم الزقوم وشربهم الحميم: ﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨)﴾ [الصافات]، ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤)﴾ إلى أن قال: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)﴾ [الواقعة] وقال: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠)﴾ [الدخان] أي: يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ والتحقير والتصغير والتهكم والاستهزاء بهم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا منصور بن عمار، حدثنا بشير بن طلحة الخزامي، عن خالد بن دريك، عن يعلى بن منبه رفع الحديث إلى رسول الله ﷺ قال: ينشئ الله سحابة لأهل النار سوداء مظلمة، ويقال: يا أهل النار؛ أي: شيء تطلبون؟ فيذكرون بها سحاب الدنيا فيقولون: نسأل بارد الشراب فتمطرهم أغلالًا تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمرًا يلهب النار عليهم (١). هذا حديث غريب.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؟ أي قيل لهم أين الأصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله هل ينصرونكم اليوم؟ ﴿قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا﴾ أي: ذهبوا فلم ينفعونا ﴿بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا﴾ أي: جحدوا عبادتهم كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)﴾ [الأنعام] ولهذا قال: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾.
وقوله: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥)﴾ أي: تقول لهم الملائكة هذا الذي أنتم فيه جزاء على فرحكم في الدنيا بغير حق ومرحكم وأشركم وبطركم
﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦)﴾ أي: فبئس المنزل والمقيل الذي فيه الهوان والعذاب الشديد لمن استكبر عن آيات الله واتباع دلائله وحججه.
يقول تعالى آمرًا رسوله ﷺ بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه فإن الله تعالى سينجز لك ما وعدك من النصر والظفر على قومك وجعل العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ أي: في الدنيا وكذلك وقع فإن الله تعالى أقر أعينهم من كبرائهم وعظمائهم أبيدوا في يوم بدر ثم فتح الله عليه مكة وسائر جزيرة العرب في حياته ﷺ.
(١) سنده ضعيف لأن خالد بن دريك لم يسمع من يعلى كما قرر أبو حاتم (المراسيل ص ٥٢).