للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ أي: فنذيقهم العذاب الشديد في الآخرة،

ثم قال مسليًا له: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾ كما قال في سورة النساء سواء؛ أي: منهم من أوحينا إليك خبرهم وقصصهم مع قومهم كيف كذبوهم ثم كانت للرسل العاقبة والنصرة ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ وهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف كما تقدم التنبيه على ذلك في سورة النساء، ولله الحمد والمنة.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أي: ولم يكن لواحد من الرسل أن يأتي قومه بخارق للعادات إلا أن يأذن الله له في ذلك فيدل على صدقه فيما جاءهم به ﴿فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ وهو عذابه ونكاله المحيط بالمكذبين ﴿قُضِيَ بِالْحَقِّ﴾ فينجي المؤمنين، ويهلك الكافرين ولهذا قال: ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾.

﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (٨١)﴾.

يقول تعالى ممتنًّا على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧٢]، فالإبل تركب وتؤكل وتحلب ويحمل عليها الأثقال في الأسفار والرحال إلى البلاد النائية، والأقطار الشاسعة والبقر تؤكل ويشرب لبنها وتحرث عليها الأرض، والغنم تؤكل ويشرب لبنها والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها فيتخذ منها الأثاث والثياب والأمتعة كما فصل وبين في أماكن تقدم ذكرها في سورة الأنعام (١) وسورة النحل (٢) وغير ذلك، ولذا قال ههنا: ﴿لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠)﴾.

وقوله: ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ أي: حججه وبراهينه في الآفاق وفي أنفسكم ﴿فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ﴾ أي: لا تقدرون على إنكار شيء من آياته إلا أن تعاندوا وتكابروا (٣).

﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (٨٥)﴾.

يخبر تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل في قديم الدهر وماذا حلَّ بهم من العذاب الشديد مع شدة قواهم وما آثروه في الأرض وجمعوه من الأموال فما أغنى عنهم ذلك شيئًا ولا ردَّ عنهم ذرة


(١) آية ١٤١ - ١٤٤.
(٢) آية ٥ - ٨.
(٣) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "يعاندوا ويكابروا".