للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من بأس الله وذلك لأنهم لما جاءتهم الرسل بالبينات، والحجج القاطعات، والبراهين الدامغات، لم يلتفتوا إليهم ولا أقبلوا عليهم واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل.

قال مجاهد: قالوا: نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب (١).

وقال السدي: فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم (٢)، فأتاهم من بأس الله تعالى ما لا قبل لهم به ﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾ أي: أحاط بهم ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي: يكذبون ويستبعدون وقوعه

﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ أي: عاينوا وقوع العذاب بهم ﴿قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ أي: وحدوا الله وكفروا بالطاغوت ولكن حيث لا تقال العثرات ولا تنفع المعذرة وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠]، قال الله تعالى: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)[يونس] أي: فلم يقبل الله منه لأنه قد استجاب لنبيه موسى دعاءه حين قال: ﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨] وهكذا قال تعالى ههنا: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ أي: هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنه لا يقبل ولهذا جاء في الحديث: "إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" (٣) أي: فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة وعاين الملك فلا توبة حينئذٍ، ولهذا قال تعالى: ﴿وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾.

آخر سورة المؤمن ولله الحمد والمنة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة النساء آية ١٧.