للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جيل؛ كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾ [الأنعام: ١٦٥] وقال: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ [النمل: ٦٢] وقال: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠)[الزخرف] وقال: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ [الأعراف: ١٦٩، مريم: ٥٩].

[وقرئ في الشاذ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ - حكاها الزمخشري (١) وغيره. ونقله القرطبي (٢) عن زيد بن علي].

وليس المراد ها هنا بالخليفة آدم فقط، [كما يقوله طائفة من المفسرين] (٣).

[وعزاه القرطبي إلى ابن عباس، وابن مسعود، وجميع أهل التأويل. وفي ذلك نظر؛ بل الخلاف في ذلك كثير؛ حكاه (فخر الدين) (٤) الرازي في "تفسيره" (٥) وغيره. والظاهر أنه لم يرد آدم عينًا]؛ إذ لو كان ذلك لما حسُنَ قول الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾؛ فإنهم إنما أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك، وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص، أو فهموه من الطبيعة البشرية؛ فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمإ مسنون؛ [أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم، ويردعهم عن المحارم والمآثم؛ قاله القرطبي] (٦). أو أنهم قاسوهم على من سبق، كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك.

وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على اللّه، ولا على وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه بعض المفسرين؛ [وقد وصفهم اللّه تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول؛ أي: لا يسألونه شيئًا لم يأذن لهم فيه؛ وها هنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقًا؛ قال قتادة: وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها، فقالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ الآية] (١).

وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا؛ ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض، ويسفك الدماء؟ فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك؛ أي: نصلي لك كما سيأتي؛ أي: ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلَّا وقع الاقتصار علينا؟

قال اللّه تعالى - مجيبًا لهم عن هذا السؤال -: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون، والعباد والزهاد، والأولياء والأبرار والمقربون، والعلماء العاملون، والخاشعون، والمحبون له المتبعون رسله صلوات اللّه وسلامه عليهم.

[ولد ثبت في "الصحيح" (٧) أن الملائكة إذا صعدت إلى الرب تعالى بأعمال عباده يسألهم -] (٨)


(١) في "الكشاف" (١/ ٥٠).
(٢) في "تفسيره" (١/ ٢٦٣).
(٣) ساقط من (ز).
(٤) ساقط من (ن).
(٥) في "تفسيره" (١/ ١٨٠، ١٨١).
(٦) ساقط من (ز) و (هـ).
(٧) مرَّ تخريجه في "كتاب فضائل القرآن" (١/ ٢٥١).
(٨) ساقط من (ز) و (هـ).