للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ وقال ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وكعب الأحبار: أي: فرقًا من العظمة (١).

﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ كقوله: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: ٧] وقوله: ﴿أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ إعلام بذلك وتنويه به،

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ يعني: المشركين ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي: شهيد على أعمالهم يحصيها ويعدها عدًّا، وسيجزيهم بها أوفر الجزاء ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ أي: إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل.

﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٨)﴾.

يقول تعالى: وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك ﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أي: واضحًا جليًّا بينًا ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى﴾ وهي مكة ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ أي: من سائر البلاد شرقًا وغربًا، وسُميت مكة: أم القرى لأنها أشرف من سائر البلاد لأدلة كثيرة مذكورة في مواضعها، ومن أوجز ذلك وأدله ما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: إن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره أنه سمع رسول الله يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت" هكذا رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث الزهري به وقال الترمذي: حسن صحيح (٢).

وقوله: ﴿وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ﴾ وهو يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد وقوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي: لا شك في وقوعه وأنه كائن لا محالة.

وقوله: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ كقوله: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ [التغابن: ٩] أي: يغبن أهل الجنة أهل النار، وكقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥)[هود].

قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا ليث، حدثني أبو قَبيل المعافري، عن شُفيّ الأصبحي، عن عبد الله بن عمرو قال: خرج علينا رسول الله وفي يده كتابان فقال: "أتدرون ما هذان الكتابان؟ " قلنا: لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله. قال للذي في يمينه: "هذا


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عنه، ويتقوى بالآثار التالية: وقول الضحاك أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة آل عمران آية ٩٧.