للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأحاديث القدر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جدًّا منها حديث علي وابن مسعود وعائشة وجماعة جمة.

وقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أي: إما على الهداية أو على الضلالة، ولكنه تعالى فاوت بينهم فهدى من يشاء إلى الحق وأضل من يشاء عنه وله الحكمة والحجة البالغة ولهذا قال: ﴿وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.

وقال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي سويد، أنه حدثه عن ابن حُجَيرة أنه بلغه أن موسى قال: يا ربِّ خلقك الذين خلقتهم جعلت منهم فريقًا في الجنة وفريقًا في النار لو ما أدخلتهم كلهم الجنة، فقال: يا موسى ارفع درعك، فرفع. قال: قد رفعت. قال: ارفع فرفع، فلم يترك شيئًا. قال: يا ربِّ قد رفعت. قال: ارفع. قال: قد رفعت إلا ما لا خير فيه. قال: كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه (١).

﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢)﴾.

يقول تعالى منكرًا على المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ومخبرًا أنه هو الولي الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده فإنه هو القادر على إحياء الموتى وهو على كل شيء قدير.

ثم قال: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ أي: مهما اختلفتم فيه من الأمور وهذا عام في جميع الأشياء ﴿فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ أي: هو الحاكم فيه بكتابه وسنة نبيه كقوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩].

﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي﴾ أي: الحاكم في كل شيء ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أي: أرجع في جميع الأمور.

وقوله: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: خالقهما وما بينهما ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ أي: من جنسكم وشكلكم منة عليكم وتفضلًا جعل من جنسكم ذكرًا وأنثى ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا﴾ أي: وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج. وقوله: ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ أي: يخلقكم فيه؛ أي: في ذلك الخلق على هذه الصفة لا يزال [يدرؤكم] (٢) فيه ذكورًا وإناثًا خلقًا من بعد خلق وجيلًا بعد جيل ونسلًا بعد نسل من الناس والأنعام.

وقال البغوي: يذرؤكم فيه؛ أي: في الرحم، وقيل: في البطن، وقيل: في هذا الوجه من الخلقة.


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لأن أبا حُجَيرة رواه بلاغًا، والمتن فيه أمارات الإسرائيليات.
(٢) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل بياض.