للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للحق ﴿لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ أي: ليسوا على يقين من أمرهم وإيمانهم وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان، وهم في حيرة من أمرهم وشك مريب وشقاق بعيد.

﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥)﴾.

اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات كل منها منفصلة عن التي قبلها حكم برأسها، قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي، فإنها أيضًا عشرة فصول كهذه.

وقوله: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ﴾ أي: فللذي أَوحينا إليك من الدين الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك، أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم فادع الناس إليه.

وقوله: ﴿وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ أي: واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة الله تعالى كما أمركم الله ﷿.

وقوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ يعني: المشركين فيما اختلفوا فيه وكذبوه وافتروه من عبادة الأوثان.

وقوله: ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ أي: صدقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء لا نفرق بين أحد منهم.

وقوله: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ أي: في الحكم كما أمرني الله، وقوله: ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ أي: هو المعبود لا إله غيره فنحن نقر بذلك اختيارًا وأنتم وإن لم تفعلوه اختيارًا فله يسجد من في العالمين طوعًا واختيارًا.

وقوله: ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ أي: نحن برآء منكم، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)[يونس].

وقوله تعالى: ﴿لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ قال مجاهد: أي لا خصومة (١).

قال السدي: وذلك قبل نزول آية السيف، وهذا متجه لأن هذه الآية مكية، وآية السيف بعد الهجرة. وقوله: ﴿اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا﴾ أي: يوم القيامة، كقوله: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦)[سبأ].

وقوله: ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ أي: المرجع والمآب يوم الحساب.

﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (١٨)﴾.

يقول تعالى متوعدًا الذي يصدون عن سبيل الله من آمن به: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.