للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اسْتُجِيبَ لَهُ﴾ أي: يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أي: باطلة عند الله ﴿وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾ أي: منه ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ أي: يوم القيامة.

قال ابن عباس ومجاهد: جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله ليصدوهم عن الهدى وطمعوا أن تعود الجاهلية (١).

وقال قتادة: هم اليهود والنصارى قالوا: ديننا خير من دينكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم وأولى بالله منكم (٢)، وقد كذبوا في ذلك.

ثم قال: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ يعني: الكتب المنزلة من عنده على أنبيائه ﴿وَالْمِيزَانَ﴾ وهو العدل والإنصاف، قاله مجاهد وقتادة (٣)، وهذه كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥] وقوله: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)[الرحمن].

وقوله: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ فيه ترغيب فيها وترهيب منها وتزهيد في الدنيا.

وقوله: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ أي: يقولون: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سبأ: ٢٩] وإنما يقولون ذلك تكذيبًا واستبعادًا وكفرًا وعنادًا ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ أي: خائفون وجلون من وقوعها ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ أي: كائنة لا محالة، فهم مستعدون لها عاملون من أجلها.

وقد روي من طرق تبلغ درجة التواتر في الصحاح والحسان والسنن والمسانيد، وفي بعض ألفاظه أن رجلًا سأل رسول الله بصوت جهوري وهو في بعض أسفاره، فناداه فقال: يا محمد، فقال له رسول الله نحوًا من صوته: "هاؤم"، فقال له: متى الساعة؟ فقال رسول الله : "ويحك إنها كائنة فما أعددت لها؟ " فقال: حبَّ الله ورسوله، فقال : "أنت مع من أحببت" (٤)، فقوله في الحديث "المرء مع من أحب" هذا متواترًا لا محالة، والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة بل أمره بالاستعداد لها.

وقوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ﴾ أي: يجادلون في وجودها ويدفعون وقوعها ﴿لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ أي: في جهل بيّن؛ لأن الذي خلق السماوات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأحرى، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧].


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، ويتقوى بقول مجاهد الذي أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة، وأخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة الأعراف آية ١٨٧.