للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعن مجاهد: يعنون عتبة بن ربيعة بمكة وابن عبد ياليل بالطائف (١). وقال السدي: عَنَوا بذلك: الوليد بن المغيرة وكنانة بن عمرو بن عمير الثقفي (٢)، والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان

قال الله رادًّا عليهم في هذا الإعتراض: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾؟ أي: ليس الأمر مردودًا إليهم. بل إلى الله ﷿، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلبًا ونفسًا. وأشرفهم بيتًا، وأطهرهم أصلًا.

ثم قال تعالى مبيِّنًا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة، فقال: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ وقوله: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ قيل: معناه ليسخر بعضهم بعضًا في الأعمال لاحتياج هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، قاله السدي (٣) وغيره. وقال قتادة والضحاك ليملك بعضهم بعضًا (٤) وهو راجع إلى الأول.

ثم قال: ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي: رحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أي: لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه فيجتمعوا على الكفر لأجل المال هذا معنى قول ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وغيرهم (٥) ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ﴾ أي: سلالم ودرجًا من فضة قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم (٦) ﴿عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ أي: يصعدون ولبيوتهم أبوابًا؛ أي: أغلاقًا على أبوابهم ﴿وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ﴾ أي: جميع ذلك يكون فضة

﴿وَزُخْرُفًا﴾ أي: وذهبًا، قاله ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد (٧).

ثم قال: ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي: إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله تعالى؛ أي: يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ليوافوا الآخرة، وليس لهم عند الله حسنة يجزيهم بها كما ورد به الحديث الصحيح (٨). وورد في حديث آخر: "لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء" أسنده البغوي


(١) أخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٤) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك بلفظ: "العبيد والخدم سخّر الله له"، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بنحوه، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف الأعرابي عن الحسن، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٦) أخرجه الطبري بالأسانيد المتقدمة عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد.
(٧) أخرجه الطبري بالأسانيد المتقدمة عنهم أربعتهم.
(٨) أخرجه مسلم من حديث أنس بن مالك بنحوه (الصحيح، صفات المنافقين، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة ح ٢٨٠٨).