للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (٢٥)[فصلت]، ولهذا قال ههنا: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا﴾ أي: هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم. فإذا وافى الله يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به ﴿قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ وقرأ بعضهم "حتى إذا [جاءانا] (١) " (٢)؛ يعني: القرين والمقارن.

قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن سعيد الجريري قال: بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة سفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تعالى إلى النار، فذلك حين يقول: ﴿يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ (٣). والمراد بالمشرقين هاهنا هو: ما بين المشرق والمغرب وإنما استعمل هاهنا تغليبًا كما يقال: القمران والعمران والأبوان، قاله ابن جرير وغيره (٤).

[ولما كان الاشتراك في المصيبة في الدنيا يحصل به تسلية لمن شاركه في مصيبته، كما قالت الخنساء تبكي أخاها:

ولولا كثرةُ الباكين حولي … على قتلاهم لقتلتُ نفسي

وما يَبكون مثل أخي ولكن … أسلِّي النفسَ عنه بالتأسي

قطع الله بذلك بين أهل النار، فلا يحصل لهم بذلك تأسي وتسلية وتخفيف] (٥).

فقال تعالى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)﴾ أي: لا يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الأليم.

وقوله: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٤٠)﴾ أي: ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل في ذلك.

ثم قال: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١)﴾ أي: لا بدّ أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢)﴾ أي: نحن قادرون على هذا وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله حتى أقرَّ عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم، وملكه ما تضمنته صياصيهم! هذا معنى قول السدي (٦) واختاره ابن جرير.

قال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن معمر قال: تلا قتادة: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١)﴾ فقال: ذهب النبي وبقيت النقمة، ولن يري الله نبيه في أمته شيئًا يكرهه حتى مضى، ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم . قال: وذُكر لنا أن رسول الله أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكًا منبسطًا حتى


(١) كذا في (حم) وفي الأصل و (مح): "جانا".
(٢) وهي قراءة متواترة.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه وسنده مرسل لأن سعيدًا رواه بلاغًا.
(٤) ذكره الطبري بمعناه.
(٥) زيادة من (حم).
(٦) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.