للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١)[الأنبياء] أي: عيسى وعُزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان، الذين مضوا على طاعة الله ﷿، فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابًا من دون الله، ونزل فيما يذكر من أنهم يعبدون الملائكة وأنهم بنات الله ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦). . .﴾ الآيات [يوسف]، ونزل فيما يذكر من أمر عيسى ، وأنه يعبد من دون الله، وعجب الوليد ومن حضر من حجته وخصومته ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧)﴾ أي: يصدون أمرك بذلك من قوله. ثم ذكر عيسى فقال: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ أي: ما وضع على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، فكفى به دليلًا على علم الساعة يقول: ﴿فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ (١).

وذكر ابن جرير من رواية العوفي، عن ابن عباس قوله: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧)﴾ قال: يعني قريشًا، لما قيل لهم: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨). . .﴾ [الأنبياء] إلى آخر الآيات. فقالت له قريش: فما ابن مريم؟ قال: "ذاك عبد الله ورسوله" فقالوا: والله ما يريد هذا إلا أن نتخذه ربًّا كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم ربًّا؟ فقال الله تعالى: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ (٢).

وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا شيبان، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي رزين، عن أبي يحيى مولى ابن عقيل الأنصاري، قال: قال ابن عباس: لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قط، ولا أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها أو لم يفطنوا لها فيسألوا عنها؟ ثم طفق يحدثنا، فلما قام تلاومنا أن لا نكون سألناه عنها، فقلت: أنا لها إذا راح غدًا، فلما راح الغد قلت: يا ابن عباس ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط، فلا تدري أعلمها الناس أم لم يفطنوا لها؟ فقلت: أخبرني عنها وعن اللاتي قرأت قبلها.

قال: نعم إن رسول الله قال لقريش: "يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير" وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام، وما تقول في محمد ؟ فقالوا: يا محمد ألست تزعم أن عيسى كان نبيًّا وعبدًا من عباد الله صالحًا، فإن كنت صادقًا كان آلهتهم لكما يقولون. قال: فأنزل الله: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧)﴾ قلت: ما يصدون؟ قال: يضحكون ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ قال: هو خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يعقوب الدمشقي، حدثنا آدم، حدثنا شيبان، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي أحمد مولى الأنصار، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله :


(١) ذكره ابن هشام في السيرة النبوية ١/ ٣٥٨، وسنده ضعيف لأن ابن إسحاق رواه بلاغًا.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ٨٥ - ٨٦ ح ٢٩١٨) وحسن سنده محققوه.