للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير" فقالوا له: ألست تزعم أن عيسى كان نبيًّا وعبدًا من عباد الله صالحًا فقد كان يعبد من دون الله؟ فأنزل الله ﷿: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧)(١).

وقال مجاهد في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧)﴾ قالت قريش: إنما يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى (٢). ونحو هذا قال قتادة (٣): وقوله: ﴿وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾. قال قتادة: يقولون آلهتنا خير منه وقال قتادة: قرأ ابن مسعود : (وقالوا أآلهتنا خير أم هذا) (٤) يعنون محمدًا .

وقوله: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا﴾ أي: مراء، وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الآية، لأنها لما لا يعقل، وهي قوله: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] ثم هي خطاب لقريش، وهم إنما كانوا يعبدون الأصنام والأنداد، ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه، فتعين أن مقالتهم إنما كانت جدلًا منهم ليسوا يعتقدون صحتها وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا ابن نمير، حدثنا حجاج بن دينار، عن أبي غالب، عن أبي أُمامة قال: قال رسول الله : "ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أورثوا الجدل"، ثم تلا رسول الله هذه الآية ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ (٥). وقد رواه الترمذي وابن ماجه وابن جرير من حديث حجاج بن دينار به، ثم قال الترمذي: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديثه (٦)، كذا قال.

وقد روي من وجه آخر عن أبي أُمامة بزيادة، فقال ابن أبي حاتم: حدثنا حميد بن عياش الرملي، حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، أخبرنا ابن مخزوم، عن القاسم أبي عبد الرحمن [الشامي] (٧)، عن أبي أُمامة ، قال حماد: لا أدري رفعه أم لا؟ قال: ما ضلَّت أُمة بعد نبيها إلا كان أول ضلالها التكذيب بالقدر، وما ضلَّت أُمة بعد نبيها إلا أُعطوا الجدل، ثم قرأ ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ (٨).


(١) في سنده أبو أحمد مولى الأنصار لم أعرف من هو، ولا يضر لأنه توبع كما في الرواية السابقة حيث تابعه أبو يحيى مولى ابن عقيل الأنصاري، فيكون الإسناد حسنًا لغيره.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند رجاله ثقات من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد لكنه مرسل ويتقوى بالمرسل الآتي.
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسند رجاله ثقات لكنه مرسل ويتقوى بالمرسل السابق فكلاهما يقوي أحدهما الآخر.
(٤) أخرجه الطبري من طريق قتادة عن أُبي بن كعب وليس عن ابن مسعود وقتادة لم يدركهما فسنده منقطع، والقراءة شاذة تفسيرية.
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٦/ ٥٤٠ ح ٢٢٢٠٤) قال محققوه: حسن بطرقه وشواهده.
(٦) سنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة الزخرف (ح ٣٢٥٣) وسنن ابن ماجه، المقدمة، باب اجتناب الدرع والجدل (ح ٤٨)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٥٩٣)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٤٧).
(٧) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل صحف إلى: "السامي".
(٨) يشهد لشقه الأخير سابقه، ولا يضر تردد حماد في رفعه.