للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير أيضًا: حدثنا أبو كريب، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، عن عبادة بن عباد، عن جعفر، عن القاسم، عن أبي أُمامة قال: إن رسول الله خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن، فغضب غضبًا شديدًا حتى كأنما صبَّ على وجهه الخلّ، ثم قال : "لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإنه ما ضلَّ قوم قط إلا أوتوا الجدل" ثم تلا : ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ (١).

وقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ يعني: عيسى . ما هو إلا عبد من عباد الله أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة. ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: دلالة وحجة وبرهانًا على قدرتنا على ما نشاء.

وقوله: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ﴾ أي: بدلكم ﴿مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ﴾.

قال السدي: يخلفونكم فيها (٢).

وقال ابن عباس وقتادة: يخلف بعضهم بعضًا كما يخلف بعضكم بعضًا (٣)، وهذا القول يستلزم الأول.

قال مجاهد: يعمرون الأرض بدلكم.

وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ تقدم تفسير ابن إسحاق (٤) أن المراد من ذلك ما بعث به عيسى ، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك من الأسقام، وفي هذا نظر وأبعد منه ما حكاه قتادة عن الحسن البصري وسعيد بن جبير، أن الضمير في وإنه عائد على القرآن (٥)، بل الصحيح أنه عائد على عيسى فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة، [كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ أي: قبل موت عيسى ثم ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ] (٦) يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: ١٥٩] ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ أي: أمارة ودليل على وقوع الساعة.

قال مجاهد: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ أي: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة (٧)، وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عباس وأبي العالية وأبي مالك وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم (٨)، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله أنه أخبر بنزول عيسى قبل يوم القيامة إمامًا عادلًا وحكمًا مقسطًا.


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف جدًّا لأن جعفر وهو ابن الزبير: متروك (التقريب ص ١٤٠).
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي بلفظ: "خلفا منكم".
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٤) تقدم في تفسير بداية هذه الآية.
(٥) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن.
(٦) زيادة من (حم) و (مح).
(٧) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٨) أخرجه البستي بسند حسن من طريق عكرمة عن ابن عباس عن أبي هريرة، وأخرجه الثوري بسند حسن من =