للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ أي: لا تشكُّوا فيها أنها واقعة وكائنة لا محالة ﴿وَاتَّبِعُونِ﴾ أي: فيما أخبركم به ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)

﴿وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ﴾ أي: عن اتباع الحق ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ﴾ أي: بالنبوة ﴿وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ قال ابن جرير: يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية، وهذا الذي قاله حسن جيد، ثم ردَّ قول من زعم أن بعض ههنا بمعنى كل، واستشهد بقول لبيد الشاعر حيث قال:

نزال أمكنة إذا لم أرضها … أو يعتلق بعض النفوس حمامها (١)

وأولوه على أنه أراد جميع النفوس.

قال ابن جرير: إنما أراد نفسه فقط، وعبر بالبعض عنها (٢)، وهذا الذي قاله محتمل.

وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: فيما أمركم به ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ فيما جئتكم به

﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤)﴾ أي: أنا وأنتم عبيد له فقراء مشتركون في عبادته وحده لا شريك له ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ أي: هذا الذي جئتكم به هو الصراط المستقيم وهو عبادة الرب ﷿ وحده.

وقوله: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ أي: اختلفت الفرق وصاروا شيعًا فيه، منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله وهو الحق ومنهم من يدعي أنه ولد الله، ومنهم من يقول إنه الله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا ولهذا قال: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾.

﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧) يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (٧٣)﴾.

يقول تعالى: هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون للرسل ﴿إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أي: فإنها كائنة لا محالة وواقعة، وهؤلاء غافلون عنها غير مستعدين فإذا جاءت إنما تجيء وهم لا يشعرون بها، فحينئذٍ يندمون كل الندم حيث لا ينفعهم ولا يدفع عنهم.

وقوله: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧)﴾ أي: كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة، إلا ما كان لله ﷿ فإنه دائم بدوامه، وهذا كما قال إبراهيم لقومه: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٥].


= طريق أبي رزين عن ابن عباس، وأخرجه الطبري بسند صحيح عن أبي مالك والحسن، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(١) استشهد به الطبري وهو في ديوان لبيد ص ٣١٣.
(٢) ذكره بنحوه.