للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رسول الله : "كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيكون له حسرة فيقول: ﴿لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [الزمر: ٥٧] وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول: ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٤٣] فيكون له شكرًا" قال: وقال رسول الله ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فالكافر يرث المؤمن منزله من النار. والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة. وذلك قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)(١).

وقوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ﴾ أي: من جميع الأنواع ﴿مِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ أي: مهما اخترتم وأردتم. ولما ذكر الطعام والشراب ذكر بعده الفاكهة لتتم النعمة والغبطة.

﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)﴾.

لما ذكر تعالى حال السعداء ثنى بذكر الأشقياء فقال: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾ أي: ساعة واحدة ﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ أي: آيسون من كل خير.

﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦)﴾ أي: بأعمالهم السيئة بعد قيام الحجة عليهم. وإرسال الرسل إليهم، فكذبوا وعصوا فجوزوا بذلك جزاء وفاقًا وما ربك بظلام للعبيد.

﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ﴾ وهو خازن النار.

قال البخاري: حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن عطاء، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه قال: سمعت رسول الله يقرأ على المنبر: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ (٢) أي: يقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه فإنهم كما قال تعالى: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦] وقال: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣)[الأعلى] فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾.

قال ابن عباس: مكث ألف سنة ثم قال: إنكم ماكثون (٣). رواه ابن أبي حاتم؛ أي: لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها ثم ذكر سبب شقوتهم، وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له فقال: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ﴾ أي: بيناه لكم ووضحناه وفسرناه ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ أي: ولكن كانت سجاياكم لا تقبله ولا تقبل عليه، وإنما تنقاد للباطل وتعظمه، وتصد عن الحق وتأباه وتبغض أهله، فعودوا على أنفسكم بالملامة. واندموا حيث لا تنفعكم الندامة،

ثم قال : ﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩)﴾.


(١) سنده ضعيف لأن الأعمش لم يسمع من أبي صالح (المراسيل لابن أبي حاتم ص ٧٢) وأبو بكر بن عياش في حفظه مقال.
(٢) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [الزخرف: ٧٧] ح ٤٨١٩).
(٣) أخرجه الثوري والطبري والحاكم (المستدرك ٢/ ٤٤٨) كلهم من طريق عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.