للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال مجاهد: أرادوا كيد شر، فكدناهم (١)، وهذا الذي قاله مجاهد كما قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠)[النمل] وذلك لأن المشركين كانوا يتحيلون في رد الحق بالباطل بحيل ومكر يسلكونه، فكادهم الله تعالى وردَّ وبال ذلك عليهم، ولهذا قال: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ أي: سرهم وعلانيتهم ﴿بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ أي: نحن نعلم ما هم عليه والملائكة أيضًا يكتبون أعمالهم صغيرها وكبيرها.

﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)﴾.

يقول تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ أي: لو فرض هذا لعبدته على ذلك؛ لأني عبد من عبيده مطيع لجميع ما يأمرني به ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته، فلو فرض هذا لكان هذا، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضًا كما قال تعالى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٤)[الزمر] وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ أي: الآنفين، ومنهم سفيان الثوري والبخاري (٢)، حكاه فقال: ويقال: أول العابدين الجاحدين من عَبِد يعْبَد (٣)، وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، حدثني ابن أبي ذئب، عن [ابن قسيط] (٤)، عن بَعَجة بن زيد الجهني أن امرأة منهم دخلت على زوجها وهو رجل منهم أيضًا، فولدت له في ستة أشهر، فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان ، فأمر بها أن ترجم، فدخل عليه علي بن أبي طالب فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] وقال: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] قال: فواللهِ ما عَبِد عثمان أن بعث إليها تُرَدُّ، قال يونس: قال ابن وهب: عبد استنكف (٥).

وقال الشاعر (٦):


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) حكاه البخاري بلفظه: (الصحيح، التفسير، باب ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [الزخرف: ٧٧] بعد حديث رقم ٤٨١٩).
(٣) وضَّحه الطبري بقوله: ووجهوا معنى "العابدين" إلى المنكرين الآبين، من قول العرب: قد عَبِد فلانٌ من هذا الأمر، إذا أنِف منه وغضب وأباه، فهو يعْبَدُ عَبَدًا.
(٤) كذا في تفسير الطبري وهو يزيد بن عبد الله بن قسيط (التقريب ص ٦٠٢) وفي الأصل: "أبي قسيط".
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح، وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة (التقريب ص ٤٩٣).
(٦) هو المرقّش الأصغر كما في الشعر والشعراء ١/ ٣١٥.