للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

متى ما يشأ ذو الودِّ يصْرِمْ خليله … ويعْبَد عليه لا محالة ظالما (١)

وهذا القول فيه نظر؛ لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره: إن كان هذا فأنا ممتنع منه؟ هذا فيه نظر فليتأمل اللَّهم إلا أن يقال: أن إنْ ليس شرطًا وإنما هي نافية، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ﴾ يقول: لم يكن للرحمن ولد، فأنا أول الشاهدين (٢).

وقال قتادة: هي كلمة من كلام العرب ﴿إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ أي: إن ذلك لم يكن فلا ينبغي (٣).

وقال أبو صخر: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)﴾ أي: فأنا أول من عبده بأن لا ولد له، وأول من وحده.

وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (٤).

وقال مجاهد: ﴿فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ أي: أول من عبده ووحده وكذبكم (٥).

وقال البخاري: ﴿فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ الآنفين وهما لغتان رجل عابد وعَبِد (٦)، والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ولكن هو ممتنع.

وقال السدي: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)﴾ يقول: لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولدًا ولكن لا ولد له (٧)، وهو اختيار ابن جرير، وردَّ قول من زعم أن إنْ نافية. ولهذا قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢)﴾ أي: تعالى وتقدس وتنزه خالق الأشياء عن أن يكون له ولد فإنه فرد أحد صمد، لا نظير له ولا كفء له فلا ولد له.

وقوله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا﴾ أي: في جهلهم وضلالهم ﴿وَيَلْعَبُوا﴾ في دنياهم ﴿حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ وهو يوم القيامة؛ أي: فسوف يعلمون كيف يكون مصيرهم ومآلهم وحالهم في ذلك اليوم.

قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ أي: هو إله من في السماء وإله من في الأرض يعبده أهلها وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (٣)[الأنعام] أي: هو المدعو الله في السموات والأرض.

﴿وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: هو خالقها ومالكها، والمتصرف فيها بلا مدافعة ولا ممانعة، فسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن الولد وتبارك؛ أي: استقر له السلامة من العيوب والنقائص؛ لأنه الرب العلي العظيم المالك للأشياء الذي بيده أزمة الأمور نقضًا وإبرامًا.

﴿وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ أي: لا يجليها لوقتها إلا هو ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي: فيجازي كلًّا بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.


(١) الشاهد فيه: ويعْبَد، وقد استشهد به الطبري.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بمعناه.
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٦) حكاه البخاري (الصحيح، التفسير، سورة الزخرف بعد حديث رقم ٤٨١٩).
(٧) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.