للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال تعالى: ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ أي: من الأصنام والأوثان ﴿الشَّفَاعَةَ﴾ أي: لا يقدرون على الشفاعة لهم ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ هذا استثناء منقطع؛ أي: لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم، فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له.

ثم قال: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧)﴾ أي: ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره ﴿مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ أي: هم يعترفون أنه الخالق للأشياء جميعها وحده لا شريك له في ذلك، ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئًا ولا يقدر على شيء، فهم في ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل. ولهذا قال تعالى: ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (٨٨)﴾ أي: وقال محمد ، قيله؛ أي: شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه فقال: يا ربِّ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، كما أخبر تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (٣٠)[الفرقان] وهذا الذي قلناه هو قول ابن مسعود ومجاهد وقتادة (١)، وعليه فسر ابن جرير.

قال البخاري: وقرأ عبد الله يعني ابن مسعود : (وقال الرسول يا رب) (٢).

وقال مجاهد في قوله: ﴿وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (٨٨)﴾ قال [فأبر الله] (٣) قول محمد (٤). وقال قتادة: هو قول نبيكم يشكو قومه إلى ربه ﷿ (٥).

ثم حكى ابن جرير في قوله تعالى: ﴿وَقِيلِهِ يَارَبِّ﴾ قراءتين إحداهما النصب، ولها توجيهان:

أحدهما: أنه معطوف على قوله : ﴿نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٨٠].

والثاني: أن يقدر فعل وقال قيله، والثانية الخفض وقيله عطفًا على قوله: ﴿وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ وتقديره: وعلم قيله (٦).

وقوله تعالى: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ﴾ أي: المشركين ﴿وَقُلْ سَلَامٌ﴾ أي: لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلًا وقولًا: ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ هذا تهديد من الله تعالى لهم، ولهذا أحلّ بهم بأسه الذي لا يرد وأعلى دينه وكلمته، وشرع بعد ذلك الجهاد والجلاد حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، وانتشر الإسلام في المشارق والمغارب.

آخر تفسير سورة الزخرف، ولله الحمد والمنة.


(١) قول مجاهد تقدم في الرواية السابقة، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٢) أخرجه البخاري تعليقًا (الصحيح، التفسير، سورة الزخرف بعد حديث ٤٨١٩) ووصله الحافظ ابن حجر بسنده إلى علقمة عن ابن مسعود (تغليق التعليق ٤/ ٣٠٨).
(٣) كذا في تفسير آدم بن أبي إياس والطبري عن مجاهد، وفي الأصل صحف إلى: "ما يراه".
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) تقدم قبل رواية البخاري.
(٦) ذكره الطبري بمعناه.