للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: أما في الآخرة فمعاذ الله وقد علم أنه في الجنة، ولكن قال: لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبلي؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة (١)؟ وهذا القول هو الذي عول عليه ابن جرير وأنه لا يجوز غيره، ولا شك أن هذا هو اللائق به ، فإنه بالنسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره وأمر مشركي قريش إلى ماذا، أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم؟

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أُم العلاء، وهي امرأة من نسائهم أخبرته وكانت بايعت رسول الله قالت: طار لهم في السكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين عثمان بن مظعون فاشتكى عثمان عندنا فمرضناه، حتى إذا توفي أدرجناه في أثوابه، فدخل علينا رسول الله فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله ﷿ فقال رسول الله : "وما يدريك أن الله تعالى أكرمه"؟ فقلت: لا أدري بأبي أنتَ وأمي، فقال رسول الله : "أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي".

قالت: والله لا أزكي أحدًا بعده أبدًا، وأحزنني ذلك فنمت فرأيت لعثمان عينًا تجري، فجئت إلى رسول الله فأخبرته بذلك، فقال رسول الله : "ذاك عمله" (٢) فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم (٣)، وفي لفظ له "ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به" (٤) وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ بدليل قولها فأحزنني ذلك، وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعين بالجنة إلا الذي نصَّ الشارع على تعيينهم كالعشرة وابن سلام والغُميصاء وبلال وسراقة، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر، والقراء السبعين الذين قُتلوا ببئر معونة، وزيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة وما أشبه هؤلاء وقوله: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ أي إِنما أتبع ما ينزله الله علي من الوحي ﴿وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي: بين النذارة، وأمري ظاهر لكل ذي لب وعقل.

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤)﴾.

يقول تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ﴾ هذا القرآن


(١) أخرجه الطبري من طريق أبي بكر الهذلي به وأطول، وسنده ضعيف جدًا. لأن الهذلي متروك.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤٥/ ٤٤٩، ٤٥٠ ح ٢٧٤٥٧) وصحح سنده محققوه.
(٣) صحيح البخاري، مناقب الأنصار، باب مقدم النبي وأصحابه المدينة (ح ٣٩٢٩).
(٤) صحيح البخاري، التعبير، باب رؤيا النساء (ح ٧٠٠٤).