للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ﴾ أي: ما ظنكم أن الله صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد أنزل علي لأبلغكموه، وقد كفرتم به وكذبتموه. ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ أي: وقد شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبلي، بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به.

وقوله: ﴿فَآمَنَ﴾ أي: هذا الذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته بحقيقته ﴿وَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ أنتم عن اتباعه.

وقال مسروق: فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم (١) ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ وهذا الشاهد اسم جنس يعمُّ عبد الله بن سلام وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام ، وهذا كقوله : ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣)[القصص] وقال: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨)[الإسراء].

قال مسروق والشعبي: ليس بعبد الله بن سلام، هذه الآية مكية، وإسلام عبد الله بن سلام كان بالمدينة (٢). رواه عنهما ابن جرير وابن أبي حاتم واختاره ابن جرير.

وقال مالك: عن أبي النضر، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: ما سمعت رسول الله يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام ، قال: وفيه نزلت ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ (٣). رواه البخاري ومسلم والنسائي من حديث مالك به (٤)، كذا قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة ويوسف بن عبد الله بن سلام وهلال بن يساف والسدي والثوري ومالك بن أنس، وابن زيد أنهم كلهم قالوا: إنه عبد الله بن سلام (٥).

وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ أي: قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيرًا ما سبقنا هؤلاء إليه، يعنون بلالًا وعمارًا وصهيبًا وخبابًا ، وأشباههم وأضرابهم من المستضعفين والعبيد والإماء، وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية. وقد غلطوا في ذلك غلطًا فاحشًا وأخطأوا خطأ بينًا كما قال


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق الشعبي عن مسروق.
(٢) أخرجه الطبري من طريق الشعبي عن مسروق، ورجاله ثقات لكنه مرسل.
(٣) سنده صحيح على شرط الشيخين.
(٤) صحيح البخاري، مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام (ح ٣٨١٢)، وصحيح مسلم، فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن سلام (ح ٢٤٨٣)، والسنن الكبرى للنسائي، فضائل الصحابة (ح ٨٢٥٢).
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بما سبق وبالآثار التالية: فقد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة، وأخرجه البُستي بسند حسن من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك وأخرجه البُستي بسند صحيح من طريق عبد الله بن عون عن الشعبي وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد.