للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾ [الأنعام: ٥٣] أي: يتعجبون كيف اهتدى هؤلاء دوننا؟ ولهذا قالوا: ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ وأما أهل السنة والجماعة، فيقولون: في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة هو بدعة لأنه لو كان خيرًا لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ﴾ أي: بالقرآن ﴿فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ أي: كذب قديم؛ أي: مأثور عن الناس الأقدمين فينتقصون القرآن وأهله، وهذا هو الكِبرْ الذي قال رسول الله : "بطر الحق وغمط الناس" (١).

ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾ وهو التوراة ﴿إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ﴾ يعني القرآن ﴿مُصَدِّقٌ﴾ أي: لما قبله من الكتب ﴿لِسَانًا عَرَبِيًّا﴾ أي: فصيحًا بينًا واضحًا ﴿لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ أي: مشتمل على النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين

قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ تقدم تفسيرها في "حم السجدة" (٢) وقوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي: فيما يستقبلون ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على ما خلفهم

﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤)﴾ أي: الأعمال سبب لنيل الرحمة لهم وسبوغها عليهم.

﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (١٦)﴾.

لما ذكر تعالى في الآية الأولى التوحيد له وإخلاص العبادة والاستقامة إليه، عطف بالوصية بالوالدين كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن كقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: ٢٣] وقال: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: ١٤] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. وقال ههنا: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ أي: أمرناه بالإحسان إليهما والحنو عليهما.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، أخبرني سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد قال: قالت أُم سعد لسعد: أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين؟ فلا آكل طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى تكفر بالله تعالى، فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ونزلت هذه الآية ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ الآية (٣). ورواه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث شعبة بإسناده نحوه وأطول منه (٤).

﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا﴾ أي: قاست بسببه في حمله مشقة وتعبًا من وحام وغثيان وثقل وكرب، إلى غير ذلك مما تنال الحوامل في التعب والمشقة، ﴿وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ أي: بمشقة أيضًا من الطلق وشدته ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾.


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة آل عمران آية ٢٢.
(٢) أي: في سورة فصلت آية ٣٠.
(٣) مسند الطيالسي (ح ٢٠٨) وسنده صحيح.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة آية ٤٣.