استعجلوا عذاب الله وعقوبته استبعادًا منهم وقوعه كقوله: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ [الشورى: ١٨].
﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: الله أعلم بكم إن كنتم مستحقين لتعجيل العذاب فسيفعل ذلك بكم وأما أنا فمن شأني أني أبلغكم ما أرسلت به ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ أي: لا تعقلون ولا تفهمون.
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ أي: لما رأوا العذاب مستقبلهم، اعتقدوا أنه عارض ممطر، ففرحوا واستبشروا به، وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر.
قال الله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: هو العذاب الذي قلتم: فأْتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين
﴿تُدَمِّرُ﴾ أي: تخرب ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ من بلادهم مما من شأنه الخراب ﴿بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ أي: بإذن الله لها في ذلك كقوله: ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)﴾ [الذاريات] أي: كالشيء البالي ولهذا قال: ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ أي: قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية.
وقد ورد حديث في قصتهم وهو غريب جدًا من غرائب الحديث وأفراده. قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي قال: حدثنا عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله ﷺ، فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها فقالت لي: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله ﷺ حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها فأتيت بها المدينة، فإذا المسجد غاصٌّ بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وإذا بلال ﵁، متقلدًا السيف بين يدي رسول الله ﷺ فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص ﵁ وجهًا قال: فجلست فدخل منزله، أو قال رحله، فاستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت فسلمت، فقال ﷺ:"هل كان بينكم وبين تميم شيء؟ " قلت: نعم، وكان لنا الدائرة عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها، فسألتني أن أحملها إليك فها هي بالباب، فأذن لها فدخلت فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزًا فاجعل الدهناء فحميت العجوز واستوفزت وقالت: يا رسول الله فإلى أين يضطر مضطرك؟ قال: قلت إن مثلي ما قال الأول: معزى حملت حتفها (١)، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصمًا، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد، قال:"وما وافد عاد؟ " وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه، قلت: إن عادًا قحطوا فبعثوا وفدًا لهم يقال له قيل، فمرَّ بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرًا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة، فقال: اللَّهم إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه ولا إلى أسير أفاديه، اللهم اسق عادًا ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر. فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها، خذها رمادًا مددًا، لا تبقى من عاد أحدًا، قال: فلما
(١) هذا مثل معناه: لا تكن كالعنز تبحث عن المدية. (فصل المقال ص ٤٥٦).