للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

له: شعب الحجون وخطَّ عليه، وخطَّ على ابن مسعود خطًا ليثبته بذلك، قال: فجعلت أهال (١) وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها، وسمعت لغطًا (٢) شديدًا حتى خِفتُ على نبي الله ، ثم تلا القرآن فلما رجع رسول الله قلت يا رسول الله: ما اللغط الذي سمعت؟ قال : "اختصموا في قتيل فقضي بينهم بالحق" (٣) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.

فهذه الطرق كلها تدل على أنه ذهب إلى الجن قصدًا فتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله ﷿ وشرع الله تعالى لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت، وقد يحتمل أن أول مرة سمعوه يقرأ القرآن لم يشعر بهم، كما قال ابن عباس . ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود ، وأما ابن مسعود فإنه لم يكن مع رسول الله حال مخاطبته للجن ودعائه إياهم، وإنما كان بعيدًا منه ولم يخرج مع النبي أحد سواه ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة، هذه طريقة البيهقي، وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم لم يكن معه ابن مسعود ولا غيره، كما هو ظاهر سياق الرواية الأولى من طريق الإمام أحمد، وهي عند مسلم، ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى، والله أعلم، كما روى ابن أبي حاتم في تفسير ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ﴾ [الجن: ١] من حديث ابن جريج قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه بنخلة فجن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين (٤)، وتأوله البيهقي على أنه يقول فبتنا بشر ليلة بات بها قوم على غير ابن مسعود ممن لم يعلم بخروجه إلى الجن، وهو محتمل على بعد، والله أعلم.

وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب، حدثنا أبو بكر الإسماعيلي، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا عمرو بن يحيى، عن جده سعيد بن عمرو قال: كان أبو هريرة يتبع رسول الله بأداوة لوضوئه وحاجته، فأدركه يومًا فقال: "من هذا؟ " قال: أنا أبو هريرة. قال : "ائتني بأحجار أستنج بها ولا تأتني بعظم ولا روثة فأتيته بأحجار في ثوبي فوضعتها إلى جنبه حتى إذا فرغ وقام اتبعته" فقلت: يا رسول الله ما بال العظم والروثة؟ قال : "أتاني وفد جن نصيبين فسألوني الزاد، فدعوت الله تعالى لهم أن لا يمروا بروثة ولا عظم إلا وجدوه طعامًا" (٥) أخرجه البخاري في صحيحه عن موسى بن إسماعيل، عن عمرو بن يحيى بإسناده قريبًا منه (٦)، فهذا يدل على ما تقدم على أنهم وفدوا عليه بعد ذلك، وسنذكر إن شاء الله تعالى ما يدل على تكرار ذلك.

وقد روى ابن عباس غير ما روى عنه أولًا من وجه جيد، فقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا عبد الحميد الحماني، حدثنا النضر بن عربي، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله


(١) أي: أخاف.
(٢) اللغط: الصياح والجلَبة.
(٣) وسنده ضعيف لأن قتادة لم يسمع من ابن مسعود.
(٤) وسنده مرسل أيضًا.
(٥) أخرجه البيهقي بسنده ومتنه (دلائل النبوة ٢/ ٢٣٣) وفي سنده سويد بن سعيد وهو ضعيف كما في التقريب، وقد توبع في رواية البخاري فأخرجه عن أحمد بن محمد المكي عن عمرو بن يحيى به بدون قوله: أتاني وفد جنَّ نصيبين فسألوني الزاد. . . إلخ. (الصحيح، الوضوء، باب الاستنجاء بالحجارة ح ١٥٥).
(٦) المصدر السابق.