للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢]، وقد استدل بهذه الآية على أنه في الجن نذر وليس فيهم رسل، ولا شك أن الجن لم يبعث الله منهم رسولًا لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩].

وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٢٠]. وقال عن إبراهيم الخليل : ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [العنكبوت: ٢٧] فكل نبي بعثه الله تعالى بعد إبراهيم فمن ذريته وسلالته.

فأما قوله تعالى في الأنعام: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠] فالمراد هنا مجموع الجنسين فيصدق على أحدهما وهو الإنس كقوله: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)[الرحمن] أي: أحدهما

ثم إنه تعالى فسر إنذار الجن لقومهم فقال مخبرًا عنهم: ﴿قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾ ولم يذكروا عيسى لأن عيسى أنزل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم، وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة فالعمدة هو التوراة، فلهذا قالوا أنزل من بعد موسى، وهكذا قال ورقة بن نوفل حين أخبره النبي بقصة نزول جبريل أول مرة فقال: بخ بخ! هذا الناموس الذي كان يأتي موسى يا ليتني أكون فيه جذعًا.

﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي: في الكتب المنزلة على الأنبياء قبله، وقوله: ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ أي: في الاعتقاد والإخبار ﴿وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ في الأعمال فإن القرآن مشتمل على شيئين خبر وطلب، فخبره صدق وطلبه عدل، كما قال: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥].

وقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ [التوبة: ٣٣] فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، وهكذا قالت الجن: ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ في الاعتقادات ﴿وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي: في العمليات.

﴿يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ﴾ فيه دلالة على أنه تعالى أرسل محمدًا إلى الثقلين الجن والإنس، حيث دعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين وتكليفهم ووعيدهم وهي سورة الرحمن ولهذا قال: ﴿أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ﴾.

وقوله: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ قيل: إن من ههنا زائدة وفيه نظر لأن زيادتها في الإثبات قليل، وقيل: إنها على بابها للتبعيض ﴿وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي: ويقيكم من عذابه الأليم، وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة، وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة، ولهذا قالوا: هذا في هذا المقام وهو مقام [تبجُّح] (١) ومبالغة، فلو كان لهم جزاء على الإيمان أعلى من هذا لأوشك أن يذكروه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حُدثت عن جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لا يدخل مؤمنو الجن الجنة لأنهم من ذرية إبليس، ولا تدخل ذرية إبليس الجنة (٢). والحق أن مؤمنيهم كمؤمني الإنس يدخلون الجنة كما هو مذهب جماعة من السلف.


(١) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "سح". بدون نقط.
(٢) سنده ضعيف لإبهام الراوي عن جرير.