للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال أبو نعيم: وقد روى الثوري عن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن رجل من ثقيف بنحوه (١)، وروى عبد الله بن أحمد والطهراني عن صفوان بن المعطل: هو الذي نزل ودفن تلك الحية من بين الصحابة وأنهم قالوا: إنه آخر التسعة موتًا الذين أتوا رسول الله يستمعون القرآن، وروى أبو نعيم من حديث الليث بن سعد، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عمه، عن معاذ بن عبيد الله بن معمر قال: كنت جالسًا عند عثمان بن عفان ، فجاء رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني كنت بفلاة من الأرض، فذكر أنه رأى ثعبانين اقتتلا ثم قتل أحدهما الآخر، قال: فذهبت إلى المعترك فوجدت حيات كثيرة مقتولة، وإذ ينفح من بعضها ريح المسك، فجعلت أشمها واحدة واحدة حتى وجدت ذلك من حية صفراء رقيقة، فلففتها في عمامتي ودفنتها، فبينا أنا أمشي إذ ناداني مناد: يا عبد الله لقد هديت، هذان حيان من الجن بنو شعيبان وبنو قيس التقوا فكان من القتلى ما رأيت، واستشهد الذي دفنته وكان من الذين سمعوا الوحي من رسول الله قال: فقال عثمان لذلك الرجل: إن كنت صادقًا فقد رأيت عجبًا، وإن كنت كاذبًا فعليك كذبك (٢).

وقوله : ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ﴾ أي: طائفة من الجن ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا﴾ أي: استمعوا وهذا أدب منهم.

وقد قال الحافظ البيهقي: حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله الدقاق، حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، حدثنا هشام بن عمار الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قرأ رسول الله سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: ما لي أراكم سكوتًا؟ للجن كانوا أحسن منكم ردًا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)[الرحمن] إلا قالوا: ولا بشيء من آلائك ونعمك ربنا نكذب فلك الحمد" (٣). ورواه الترمذي في التفسير عن أبي مسلم عبد الرحمن بن واقد، عن الوليد بن مسلم به قال: خرج رسول الله على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن فذكره ثم قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد عن زهير (٤)، كذا قال، وقد رواه البيهقي من حديث مروان بن محمد الطاهري عن زهير بن محمد به مثله (٥).

وقوله: ﴿فَلَمَّا قَضَى﴾ أي: فرغ كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ﴾ [الجمعة: ١٠]، ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ١٢]، ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠]، ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ أي: رجعوا إلى قومهم فأنذروهم ما سمعوه من رسول الله كقوله: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي


(١) وسنده ضعيف لإبهام شيخ الشعبي.
(٢) دلائل النبوة لأبي نعيم ص ٣٠٥. وفي سنده معاذ بن عبيد الله بن معمر ذكره البخاري في التاريخ الكبير وسكت عنه وكذا ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
(٣) دلائل النبوة للبيهقي ٢/ ٢٣٢ وأخرجه الترمذي من طريق زهير بن محمد به (السنن، التفسير، باب ومن سورة الرحمن ح ٣٢٩١) وصححه الألباني بشواهده (السلسلة الصحيحة ٢١٥٠).
(٤) تقدم تخريجه في الرواية السابقة.
(٥) دلائل النبوة ١/ ٢٣٢.