للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدًا (١)، وروى مالك عن ابن زيد بن أسلم نحو هذا (٢).

وقال محمد بن كعب: يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة كما تعرفون بيوتكم إذا انصرفتم من الجمعة.

وقال مقاتل بن حيان: بلغنا أن الملك الذي كان وكل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه في الجنة ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له، فيعرفه كل شيء أعطاه الله تعالى في الجنة، فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل إلى منزله وأزواجه وانصرف الملك عنه (٣).

ذكرهن ابن أبي حاتم .

وقد ورد الحديث الصحيح بذلك أيضًا رواه البخاري من حديث قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: "إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، يتقاضون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذبوا ونُقوا أذن لهم في دخول الجنة، والذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا" (٤).

ثم قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧)﴾ كقوله: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج: ٤٠] فإن الجزاء من جنس العمل ولهذا قال تعالى: ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ كما جاء في الحديث: "من بلغ ذا سلطان حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله تعالى قدميه على الصراط يوم القيامة".

ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ﴾ عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين الناصرين لله تعالى ورسوله .

وقد ثبت الحديث عن رسول الله أنه قال: "تعسَ عبد الدينار، تعسَ عبد الدرهم، تعسَ عبد القطيفة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش! " (٥)؛ أي: فلا شفاه الله.

وقوله: ﴿وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي أحبطها وأبطلها، ولهذا قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ أي: لا يريدونه ولا يحبونه ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ (٦).

﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (١٠) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (١٣)﴾.

يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا﴾ يعني: المشركين بالله المكذبين لرسوله ﴿فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) سنده صحيح.
(٣) عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
(٤) صحيح البخاري، المظالم، باب قصاص المظالم (ح ٢٤٤٠).
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة آل عمران آية ٢٠٠.
(٦) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل ورد تقديم قوله: ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٩] قبل قوله: "لا يريدونه".