للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أي: عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم؛ أي: ونجى المؤمنين من بين أظهرهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾.

ثم قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (١١)﴾ ولهذا لما قال أبو سفيان صخر بن حرب رئيس المشركين يوم أحد، حين سأل عن النبي وعن أبي بكر وعمر فلم يجب وقال: أما هؤلاء فقد هلكوا، وأجابه عمر بن الخطاب فقال: كذبت يا عدو الله بل أبقى الله تعالى لك ما يسوءك، وإن الذين عددت لأحياء، فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، أما إنكم ستجدون مثلة لم آمر بها، ولم أنه عنها، ثم ذهب يرتجز ويقول: اعلُ هبل اعلُ هبل. فقال رسول الله : "ألا تجيبوه؟ " فقالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال قولوا: "الله أعلى وأجلّ" ثم قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال : "ألا تجيبوه؟ " قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: "الله مولانا ولا مولى لكم" (١).

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي: يوم القيامة ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾ أي: في دنياهم يتمتعون بها ويأكلون منها كما تأكل الأنعام خضمًا وقضمًا، وليس لهم هِمَّة إلا في ذلك، ولهذا ثبت في الصحيح "المؤمن يأكل في معىً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء" (٢).

ثم قال: ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ أي: يوم جزائهم،

وقوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ يعني: مكة ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة في تكذيبهم لرسول الله ، وهو سيد الرسل وخاتم الأنبياء، فإذا كان الله ﷿ قد أهلك الأمم الذين كذبوا الرسل قبله بسببهم، وقد كانوا أشد قوة من هؤلاء فماذا ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والأخرى؟ فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة وجود الرسول نبي الرحمة فإن العذاب يوفر على الكافرين به في معادهم ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠].

وقوله تعالى: ﴿مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ أي: الذين أخرجوك من بين أظهرهم.

وقال ابن أبي حاتم: ذَكر أبي، عن محمد بن عبد الأعلى، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي لما خرج من مكة إلى الغار أتاه قال: فالتفت إلى مكة وقال: "أنتِ أحبُّ بلادِ الله إلى الله، وأنتِ أحبُّ بلاد الله إليّ، ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك" فأعدى الأعداء من عدا على الله تعالى في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول (٣) الجاهلية، فأنزل الله تعالى على نبيه ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (١٣)(٤).


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة آل عمران آية ٢٠٠.
(٢) أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر (صحيح البخاري، الأطعمة، باب المؤمن يأكل في معي واحد ح ٥٣٩٣، وصحيح مسلم، الأشربة، باب المؤمن يأكل في معي واحد (ح ٢٠٦٠).
(٣) أي: جمع ذحل وهو الحقد والثأر.
(٤) أخرجه الطبري عن محمد بن عبد الأعلى به، وسنده ضعيف جدًا لأن حنشًا وهو الحسين بن قيس الرَّحْبي: =