للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ أي: على بصيرة ويقين من أمر الله ودينه بما أنزل في كتابه من الهدى والعلم، وبما جبله الله عليه من الفطرة المستقيمة، ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ أي: ليس هذا كهذا، كقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾ [الرعد: ١٩] وكقوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)[الحشر].

ثم قال: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ قال عكرمة: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ﴾ أي: نعتها ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾.

قال ابن عباس والحسن وقتادة: يعني: غير متغير (١).

وقال قتادة والضحاك وعطاء الخراساني: غير مُنتن (٢).

والعرب تقول: أسن الماء إذ تغير ريحه (٣).

وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم: غير آسن؛ يعني: الصافي الذي لا كدر فيه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق قال: قال عبد الله : أنهار الجنة تفجر من جبل من مسك (٤).

﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ أي: بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة.

وفي حديث مرفوع: "لم يخرج من ضروع الماشية".

﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ أي: ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا بل حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)[الصافات]، ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩)[الواقعة]، ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦)[الصافات].

وفي حديث مرفوع: "لم يعصرها الرجال بأقدامهم" (٥).

﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ أي: وهو في غاية الصفاء وحسن اللون والطعم والريح.

وفي حديث مرفوع: "لم يخرج من بطون النحل" (٦).

وقال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن هارون، أخبرنا الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه،


= متروك (التقريب ص ١٦٨)، ومطلع الحديث له شواهد لكن ذكر نزول الآية، ولهذا قال القرطبي: وهو حديث صحيح (الجامع لأحكام القرآن ١٦/ ٢٣٥).
(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٣) ذكره الطبري بنحوه.
(٤) سنده صحيح.
(٥) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر عن سعيد بن جبير.
(٦) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر عن سعيد بن جبير.