للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رأيت ملكًا قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قومًا لا يسلمونه لشيء أبدًا فروا رأيكم.

قال: وقد كان رسول الله قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل له يقال له: الثعلب، فلما دخل مكة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش، فمنعتهم الأحابيش حتى أتى رسول الله ، فدعا عمر ليبعثه إلى مكة فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني. وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعزُّ مني بها عثمان بن عفان . قال: فدعاه رسول الله ، فبعثه يخبرهم أنه لم يأت لحرب أحد، وإنما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته وحمله بين يديه أردفه خلفه وأجاره حتى بلّغ رسالة رسول الله ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله ما أرسله به، فقالوا لعثمان : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله . قال: واحتبسته قريش عندها قال: وبلغ رسول الله أن عثمان قد قتل.

قال محمد: فحدثني الزهري أن قريشًا بعثوا سهيل بن عمرو وقالوا: ائت محمدًا فصالحه ولا تلن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدًا، فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله قال: "قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل". فلما انتهى إلى رسول الله ، تكلما وأطالا الكلام وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أوليس برسول الله؟ أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال أبو بكر : يا عمر الزم غرزه حيث كان فإني أشهد أنه رسول الله. فقال عمر : وأنا أشهد، ثم أتى رسول الله فقال: يا رسول الله أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال : "بلى" قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال : "أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني" ثم قال عمر : ما زلت أصوم وأصلي وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذٍ، حتى رجوت أن يكون خيرًا.

قال: ثم دعا رسول الله علي بن أبي طالب فقال: اكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللَّهمَّ. فقال رسول الله : "اكتب باسمك اللَّهمَّ. هذا ما صالح عليه محمد رسول الله" فقال له سهيل بن عمرو: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن أكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكفُّ بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله من أصحابه بغير إذن وليه ردَّه عليه، ومن أتى قريشًا ممن مع رسول الله لم يردُّوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا أسلال (١) ولا أغلال (٢). وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب: أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل


(١) أي: الغارة الظاهرة.
(٢) أي: الخيانة.