للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد ، إن محمدًا لم يأْت لقتال إنما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحقه، فاتهموهم.

قال محمد بن إسحاق: قال الزهري: وكانت خزاعة في عيبة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، مشركها ومسلمها لا يخفون على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئًا كان بمكة، فقالوا: وإن كان إنما جاء لذلك فوالله لا يدخلها أبدًا علينا عنوة، ولا يتحدث بذلك العرب، ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله قال: "هذا رجل غادر" فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، كلمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنحو مما تكلم مع أصحابه، ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني، وهو يومئذٍ سيد الأحابيش (١)، فلما رآه رسول الله قال: "هذا من قوم يتألهون (٢) فابعثوا الهدي" فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، رجع ولم يصل إلى رسول الله إعظامًا لما رأى فقال: يا معشر قريش لقد رأيت ما لا يحل صدّ الهدي في قلائده، قد أكل أوباره من طول الحبس على محله، قالوا: اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك.

فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي فقال: يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وأنا ولد، وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله فجلس بين يديه فقال: يا محمد جمعت أوباش الناس ثم جئت بهم لبيضتك لنقضها، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدًا، وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدًا، قال: وأبو بكر قاعد خلف رسول الله فقال: امصص بظر اللات! أنحن ننكشف عنه؟ قال: من هذا يا محمد؟ قال : "هذا ابن أبي قحافة" قال: أما والله لو لا يد كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذا بها، ثم تناول لحية رسول الله والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله بالحديد، قال: فقرع (٣) يده، ثم قال: أمسك يدك عن لحية رسول الله قبل، والله أن لا تصل إليك قال: ويحك ما أفظك وأغلظك! فتبسم رسول الله قال: من هذا يا محمد؟ قال : "هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة" قال: أَغُدَرْ، وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس؟ قال: فكلمه رسول الله بمثل ما كلم به أصحابه، وأخبره بأنه لم يأت يريد حربًا. قال فقام من عند رسول الله ، وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ وضوءًا إلا ابتدروه، ولا يبصق بصاقًا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، والله ما


(١) الأحابيش: جماعات من قبائل شتى تحالفت مع قريش.
(٢) أي: يتعبدون ويراعون حق الله تعالى وحرمته.
(٣) أي: ضرب.