للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عبد الله بن العلاء بن زبر، عن بشر بن عبد الله، عن أبي إدريس، عن أُبي بن كعب أنه كان يقرأ ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ ولو حميتم كما حَمَوا لفسد المسجد الحرام، فبلغ ذلك عمر فأغلظ له فقال: إنك لتعلم أني كنت أدخل على رسول الله فيعلمني مما علمه الله تعالى، فقال عمر : بل أنت رجل عندك علم وقرآن، فاقرأ وعلم مما علمك الله تعالى ورسوله (١).

﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ أي: هو عليم بمن يستحق الخير ممن يستحق الشر.

وهذا ذكر الأحاديث الواردة في قصة الحديبية وقصة الصلح.

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول الله عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالًا، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة، وخرج رسول الله حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريش، قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ (٢) المطافيل (٣)، قد لبست جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم، فقال رسول الله : "يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلَّوا بيني وبين سائر الناس؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله تعالى دخلوا في الإسلام وهم وافرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة" ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة، قال: فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم، ركضوا راجعين إلى قريش، فخرج رسول الله حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس: خلأت (٤)، فقال رسول الله : "ما خلأت وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها".

ثم قال للناس: "انزلوا" قالوا: يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس، فأخرج رسول الله سهمًا من كنانته فأعطاه رجلًا من أصحابه. فنزل في قليب (٥) من تلك القُلُب فغرزه فيه، فجاش (٦) بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن. فلما اطمأن رسول الله إذا بديل بن ورقاء


(١) أخرجه النسائي (السنن الكبرى، التفسير ح ١١٥٠٥) وأخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن العلاء به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٢٢٥).
(٢) العوذ: الناقة القريبة الولادة.
(٣) المطافيل: ذوات الأطفال وهي النوق التي فيها اللبن.
(٤) أي: تصعبت وساء خلقها.
(٥) أي: بئر.
(٦) أي: فارَ بالماء الغزير.