للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سبعين (١) بدنة فيها جمل لأبي جهل، فلما صُدَّت عن البيت حَنَّت كما تحِنُّ إلى أولادها (٢).

﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٢٨)﴾.

كان رسول الله قد رأى في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فلما ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل وقع في نفس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر بن الخطاب في ذلك فقال له فيما قال: أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: "بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ " قال: لا، قال النبي : "فإنك آتيه ومطوف به" وبهذا أجاب الصديق أيضًا حذو القذة بالقذة ولهذا قال : ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ هذا لتحقيق الخبر وتوكيده وليس هذا من الإستثناء في شيء. ﴿آمِنِينَ﴾ أي: في حال دخولكم.

وقوله: ﴿مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ حال مقدرة لأنهم في حال [دخولهم] (٣) لم يكونوا محلقين ومقصرين، وإنما كان هذا في ثاني الحال. كان منهم من حلق رأسه ومنهم من قصره، وثبت في الصحيحين أن رسول الله قال: "رحم الله المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال : "رحم الله المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال : "رحم الله المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال : "والمقصرين" في الثالثة أو الرابعة (٤).

وقوله: ﴿لَا تَخَافُونَ﴾ حال مؤكدة في المعنى فأثبت لهم الأمن حال الدخول ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد لا يخافون من أحد. وهذا كان في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، فإن النبي لما رجع من الحديبية في ذي القعدة رجع إلى المدينة. فأقام بها ذا الحجة والمحرم وخرج في صفر إلى خيبر، ففتحها الله عليه بعضها عنوة وبعضها صلحًا، وهي إقليم عظيم كثير النخل والزروع، فاستخدم من فيها من اليهود عليها على الشطر وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم، ولم يشهدها أحد غيرهم إلا الذين قدموا من الحبشة جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وأبو موسى الأشعري وأصحابه ، ولم يغب منهم أحد، قال ابن زيد: إلا أبا دجانة سماك بن خرشة، كما هو مقرر في موضعه ثم رجع إلى المدينة.

فلما كان في ذي القعدة من سنة سبع خرج إلى مكة معتمرًا هو وأهل الحديبية، فأحرم من ذي الحليفة وساق معه الهدي، قيل: كان ستين بدنة، فلبى وسار أصحابه يلبون. فلما كان


(١) كذا في النسخ، وفي المسند بلفظ: "ستين". والمثبت هو الصحيح.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه مع الخلاف المتقدم (المسند ٥/ ٦٥ ح ٢٨٧٩) وضعف سنده محققوه لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
(٣) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل صُحف إلى: "حربهم".
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٩٦.