للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قريبًا من مرِّ الظهران بعث محمد بن مسلمة بالخيل والسلاح أمامه. فلما رآه المشركون رعبوا رعبًا شديدًا، وظنوا أن رسول الله يغزوهم، وأنه قد نكث العهد الذي بينهم وبينه من وضع القتال عشر سنين، فذهبوا فأخبروا أهل مكة، فلما جاء رسول الله فنزل بمر الظهران حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، بعث السلاح من القسي والنبل والرماح إلى بطن يأجج، وسار إلى مكة بالسيوف مغمدة في قربها كما شارطهم عليه. فلما كان في أثناء الطريق بعثت قريش مكرز بن حفص فقال: يا محمد ما عرفناك تنقض العهد، فقال : "وما ذاك؟ " قال: "دخلت علينا بالسلاح والقسي والرماح". فقال : "لم يكن ذلك وقد بعثنا به إلى يأجج". فقال: بهذا عرفناك بالبر والوفاء، وخرجت رؤوس الكفار من مكة لئلا ينظروا إلى رسول الله وإلى أصحابه غيظًا وحنقًا. وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان، فجلسوا في الطرق وعلى البيوت ينظرون إلى رسول الله وأصحابه، فدخلها وبين يديه أصحابه يلبون، والهدي قد بعثه إلى ذي طوى وهو راكب ناقته القصواء التي كان راكبها يوم الحديبية، وعبد الله بن رواحة الأنصاري آخذ بزمام ناقة رسول الله يقودها وهو يقول:

باسم الذي لا دين إلا دينه … باسم الذي محمد رسوله

خلوا بني الكفار عن سبيله … اليوم نضربكم على تأويله

كما ضربناكم على تنزيله (١) … ضربًا يزيل الهام عن مقيله (٢)

ويذهل الخليل عن خليله … قد أنزل الرحمن في تنزيله

في صحف تتلى على رسوله … بأن خير القتل في سبيله

يا ربِّ إني مؤمن بقيله.

فهذا مجموع من روايات متفرقة.

قال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: لما دخل رسول الله مكة في عمرة القضاء دخلها وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقته وهو يقول:

خلوا بني الكفار عن سبيله … إني شهيد أنه رسوله

خلوا فكل الخير في رسوله … يا رب إني مؤمن بقيله

نحن قتلناكم على تأويله … كما قتلناكم على تنزيله

ضربًا يزيل الهام عن مقيله … ويذهل الخليل عن خليله (٣)

وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك ، قال: لما دخل رسول الله مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وفي رواية: وابن رواحة آخذ بغرزه وهو يقول:

خلوا بني الكفار عن سبيله … قد نزل الرحمن في تنزيله


(١) على تنزيله: أي: كما قتلناكم على إنكار تنزيله.
(٢) الهام: أعلى الرأس، ومقيله: موضعه.
(٣) ذكره ابن هشام (السيرة ٢/ ٣٧١) وسنده مرسل.