للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضجرًا لا صبر له على سراء ولا ضراء، قال: فلما تمت النفخة في جسده عطس، فقال: "الحمد لله رب العالمين" بإلهام الله؛ فقال الله له: "يرحمك الله يا آدم".

قال: ثم قال تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات: اسجدوا لآدم، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار؛ فقال: لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سنًّا، وأقوى خلقًا؛ ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢] يقول: إن النار أقوى من الطين.

قال: فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله؛ (أي) (١) آيسه، من الخير كله، وجعله شيطانًا رجيمًا عقوبةً لمعصيته.

ثم علَّم آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها؛ (ثم) (٢) عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة - يعني: الملائكة الذين كانوا مع إبليس الذين خُلقوا من نار السموم؛ وقال لهم: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ﴾ [البقرة: ٣١] أي: يقول: أخبروني بأسماء هؤلاء ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ إن كنتم تعلمون لِمَ أَجعل في الأرض خليفة.

قال: فلما علمت الملائكة (مؤاخذة) (٣) الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب الذي لا يعلمه غيره الذي ليس لهم به علم ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ﴾ [البقرة:٣٢] تنزيهًا لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره، تُبنا إليك، ﴿لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ [البقرة: ٣٢] تبريًا منهم من علم الغيب، إلا ما علمتنا كما علمت آدم؛ فقال: ﴿يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾ [البقرة: ٣٣] يقول: أخبرهم بأسمائهم ﴿فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ﴾ [البقرة: ٣٣] (يقول: أخبرهم) (٤) ﴿بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٣٣] أيتها الملائكة خاصةً: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٣٣] ولا يعلم غيري؛ ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ [البقرة: ٣٣] يقول: ما تظهرون، ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: ٣٣] يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية؛ يعني: ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار.

هذا سياق غريب، وفيه أشياء فيها نظر يطول مناقشتها؛ وهذا الإسناد إلى ابن عباس يُروى به تفسير مشهور.

وقال السدي في "تفسيره" (٥)، عن أبي مالك؛ وعن أبي صالح، عن ابن عباس؛ وعن مرة، عن ابن مسعود؛ وعن أنس من أصحاب النبي : لما فرغ الله من خلق ما أحبَّ استوى على العرش، فجعل إبليس على ملك السماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم: الجن؛ وإنما سموا الجن لأنهم خُزَّان الجنة؛ وكان إبليس مع مُلكه خازنًا، فوقع في صدره (٦)؛ وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي على الملائكة. فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك


(١) من (ز) و (ن).
(٢) في (ح): "في".
(٣) كذا في (ك) وهو الموافق لما في الطبري (١/ ٤٥٧) ووقع في (ج) و (ز) و (ع) و (ل) و (ن) و (هـ) و (ى): "موجدة".
(٤) من (ج) و (ع) و (ك) و (ى) و (هـ) وسقط لفظ: "يقول" من (ل).
(٥) ومن طريقه ابن جرير (٦٠٧) [وسنده ضعيف، وفي متنه بعض الإسرائيليات].
(٦) في "تفسير الطبري": "في صدره كبر".