للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن جرير (١): حدثنا أبو كريب، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس؛ قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم: (الجن) (٢)، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة؛ وكان اسمه الحارث، وكان خازنًا من خُزَّان الجنة؛ قال: وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي؛ قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، [وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا ألهبت؛ قال: وخلق الإنسان من طين] (٣).

فأول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، وقتل بعضهم بعضًا؛ قال: فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة، وهم هذا الحي الذين يقال لهم: الجن، فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال؛ فلما فعل إبليس ذلك اغتر في نفسه؛ فقال: قد صنعت شيئًا لم يصنعه أحد؛ قال: فاطلع الله على ذلك من قلبه، ولم تطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه؛ فقال الله تعالى للملائكة الذين (كانوا) (٤) معه: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠].

فقالت الملائكة - مجيبين له -: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠] كما أفسدت الجن وسفكت الدماء؛ وإنما بعثتنا عليهم لذلك؟ فقال الله تعالى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] يقول: إني قد اطلعت (من) (٥) قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره.

قال: ثم أمر بتربة آدم، فرفعت؛ فخلق الله آدم من طين لازب، واللَّازب: (اللزج) (٦) (الصلب) (٧) من حمإ مسنون منتن؛ وإنما كان حمأً مسنونًا بعد التراب، فخلق منه آدم بيده.

قال: فمكث أربعين ليلةً جسدًا ملقىً، وكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل فيصوِّت؛ فهو قول الله تعالى: ﴿مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ [الرحمن: ١٤] يقول: كالشيء (المنفوخ) (٨) الذي ليس بمصمت.

قال: ثم يدخل (في فيه) (٩) ويخرج من دبره، ويدخل من دبره ويخرج من فيه، ثم يقول: لست شيئًا للصلصلة، ولشيء ما خُلقت، ولئن سلطت عليك لأهلكنك، ولئن سلطت علي لأعصينك.

قال: فلما نفخ الله فيه من روحه أتت النفخة من قبل رأسه، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحمًا ودمًا، فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده، فأعجبه ما رأى من جسده، فذهب لينهض، فلم يقدر؛ فهو قول الله تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء: ١١] قال:


(١) في "تفسيره" (٦٨٥)، وأيضًا (١٥/ ١٦٩) بطوله، وابن أبي حاتم (٣٦٦)؛ وابن الأنباري في "الأضداد" (ص ٣٣٦) مختصرًا جدًّا وسنده ضعيف.
(٢) كذا في (ز) بالحاء المهملة وفي باقي الأصول بالجيم، ولعل الصواب بالمهملة، وقد ذكر في "القاموس" أن "الحن"، بكسر الحاء، حي من أحياء الجن ويدل عليه أن الأثر فرق بينه وبين الجن والله أعلم.
(٣) ساقط من (ز).
(٤) من (ن) و (ع) و (ك) و (ل) و (هـ) و (ي).
(٥) في جميع الأصول: "علي".
(٦) في (ن): "اللازج".
(٧) كذا في "تفسير الطبري" (٦٠٦) ووقع في جميع الأصول: "الطيب".
(٨) كذا في (ج) و (ل) و (هـ) وهو الموافق لما في الطبري. ووقع في (ز) و (ع) و (ك) و (ن) و (ى): "المنفرج".
(٩) كذا في جميع الأصول وهو الموافق لما في الطبري. وفي (ج): "ثم يدخل فيه من فيه".