للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ فكان الذي أبدو هو قولهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: ٣٠] وكان الذي كتموا بينهم هو قولهم: لن يخلق ربنا خلقًا إلا كنا أعلم منه وأكرم] (١)؛ فعرفوا أن اللّه فضل عليهم آدم في العلم والكرم.

وقال ابن جرير (٢)، حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، في قصة الملائكة وآدم: فقال اللّه للملائكة: كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم، إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها، هذا عندي قد علمته، (فلذلك) (٣) أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني.

قال: وقد سبق من اللّه: ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩] قال: ولم تعلم الملائكة ذلك، ولم يدروه. قال: فلما رأوا ما أعطى اللّه آدم من العلم أقروا له بالفضل.

وقال ابن جرير (٤): وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس؛ وهو أن معنى قوله (تعالى) (٥): ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ وأعلم - مع علمي غيب السموات والأرض - ما تظهرونه بألسنتكم، وما كنتم (تخفونه) (٦) في أنفسكم، فلا يخفى علي شيء، سواء عندي سرائركم وعلانيتكم. والذي أظهروه بألسنتهم قولهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ والذي كانوا يكتمون ما كان (منطويًا) (٧) (عليه) (٨) إبليس من الخلاف على الله في (أمره) (٩) والتكبر عن طاعته.

قال] (١): وصح ذلك كما تقول العرب: قُتل الجيش وهُزموا، وإنما قتل الواحد أو البعض، وهزم الواحد أو البعض؛ فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ [الحجرات: ٤] ذكر أن الذي نادى إنما كان واحدًا من بني تميم، قال: وكذلك قوله: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾.

﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)﴾.

وهذه كرامة عظيمة من اللّه تعالى لآدم امتن بها على ذريته حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، وقد دل على ذلك (أحاديث أيضًا كثيرة) (١٠)؛ منها حديث الشفاعة المتقدم، وحديث موسى (١١) : "رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة؛ فلما اجتمع به قال: أنت آدم الذي خلقه اللّه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته"؟ قال: وذكر الحديث كما سيأتي إن شاء اللّه.


(١) ساقط من (ج). [أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق أبي جعفر به].
(٢) في "تفسيره" (٦٧٧) وسنده صحيح.
(٣) في (ن): "فكذلك".
(٤) في "تفسيره" (١/ ٥٠٠/ ٥٠١).
(٥) من (ز) و (ن).
(٦) في (ز) و (هـ): "تخفون".
(٧) في (ج): "مبطونًا".
(٨) ساقط من (ج).
(٩) في (ز) و (ن): "أوامره".
(١٠) في (ن): أيضًا أحاديث كثيرة.
(١١) أخرجه الشيخان ويأتي تخريجه إن شاء اللّه تعالى.