للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ووقروه وتأدبوا معه وانقادوا لأمره، فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم كما قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٦] ثم بيّن أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ أي: لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدّى ذلك إلى عنتكم وحرجكم، كما قال تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١)[المؤمنون].

وقوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي: حببه إلى نفوسكم وحسنه في قلوبكم.

قال الإمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا علي بن مسعدة، حدثنا قتادة، عن أنس قال: كان رسول الله يقول: "الإسلام علانية والإيمان في القلب - قال: ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ثم يقول - التقوى ههنا التقوى ههنا" (١).

﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ أي: وبغض إليكم الكفر والفسوق وهي الذنوب الكبار والعصيان، وهي جميع المعاصي وهذا تدريج لكمال النعمة.

وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ أي: المتصفون بهذه الصفة هم الراشدون الذين قد آتاهم الله رشدهم.

قال الإمام أحمد: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، حدثنا عبد الواحد بن أيمن المكي، عن أبي رفاعة الزرقي، عن أبيه [وقال غيرُ الفزاري: عبيد بن رفاعة الزرقي] (٢) قال: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله : "استووا حتى أثني على ربي ﷿" فصاروا خلفه صفوفًا فقال : "اللَّهم لك [الحمد] (٣) كله، اللَّهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضلَّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، اللَّهمَ ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللَّهمَ إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللَّهمَ إني أسألك النعيم يوم العيلة والأمن يوم الخوف. اللَّهمَ إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا، اللَّهمَ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللَّهمَ توفنا مسلمين وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين، اللَّهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللَّهمَ قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق" (٤). ورواه النسائي في اليوم والليلة عن زياد بن أيوب، عن


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٩/ ٣٧٤ ح ١٢٣٨١) وضعف سنده محققوه، وذكروا للشق الأخير شاهدًا من صحيح مسلم برقم ٢٥٦٤.
(٢) الزيادة من المسند ولا توجد في النسخ الخطية، وهذه العبارة من الإمام أحمد فيها إشارة إلى إرسال الحديث.
(٣) كذا في (حم) و (مح) والمسند، وفي الأصل: "بياض".
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٤/ ٢٤٦ - ٢٤٧ ح ١٥٤٩٢) وقال محققوه: رجاله ثقات. =