للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهي اللمز بالمقال، ولهذا قال ههنا: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ كما قال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] أي: لا يقتل بعضكم بعضًا.

قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة ومقاتل بن حيان: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: لا يطعن بعضكم على بعض (١).

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ أي: لا تداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها.

قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك، قال: فينا نزلت في بني سلمة ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ قال: قدم رسول الله المدينة، وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا واحدًا منهم باسم من تلك الأسماء، قالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا، فنزلت ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ (٢). ورواه أبو داود، عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن داود به (٣).

وقوله: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ أي: بئس الصفة والاسم الفسوق. وهو التنابز بالألقاب كما كان أهل الجاهلية يتناعتون بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ﴾ أي: من هذا ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)﴾.

يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليتجنب كثير منه احتياطًا وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال: ولا تظنَّن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا.

وقال أبو عبد الله ابن ماجه: حدثنا أبو القاسم بن أبي ضمرة نصر بن محمد بن سليمان الحمصي، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي قيس النضري، حدثنا عبد الله بن عمر قال: رأيت النبي يطوف بالكعبة ويقول: "ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرًا" (٤). تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه.


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عنه، ويتقوى، بالآثار التالية: فقول مجاهد أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٢٦٠)، وأخرجه الترمذي (السنن، التفسير، باب ومن سورة الحجرات ح ٣٢٦٨)، وقال: حسن صحيح، وأخرجه الحاكم كلاهما من طريق داود بن أبي هند به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٢٨١).
(٣) السنن، الأدب، باب في الألقاب (ح ٤٩٦٢) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤١٥١).
(٤) أخرجه ابن ماجه بسنده ومتنه (السنن، الفتن، باب حرمة دم المؤمن وماله ح ٣٩٣٢)، وسنده ضعيف لضعف =