للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ أي: الجميع إخوة في الدين، كما قال رسول الله : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" (١).

وفي الصحيح: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (٢).

وفي الصحيح أيضًا: "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك مثله" (٣) والأحاديث في هذا كثيرة.

وفي الصحيح: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" (٤).

وفي الصحيح أيضًا: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" (٥) وشبك بين أصابعه.

وقال أحمد: حدثنا أحمد بن الحجاج، حدثنا عبد الله، أخبرنا مصعب بن ثابت، حدثني أبو حازم قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي يحدث عن رسول الله قال: "إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس" (٦). تفرد به أحمد ولا بأس بإسناده.

وقوله تعالى: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ يعني: الفئتين المقتتلتين ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: في جميع أموركم ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)﴾.

ينهى تعالى عن السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله أنه قال: "الكبر بطر الحق وغمص الناس - ويروى - وغمط الناس" (٧) والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرًا عند الله تعالى، وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له، ولهذا قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ فنصَّ على نهي الرجال، وعطف نهي النساء.

وقوله: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١)[الهمزة] والهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١)[القلم] أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاغيًا عليهم ويمشي بينهم بالنميمة


(١) (٢) تقدم تخريجهما في تفسير سورة الإسراء آية ٥٣.
(٣) تقدم تخريجهما في تفسير سورة غافر آية ٧.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ٨٤.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة التوبة آية ٧١.
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٧/ ٥١٧ ح ٢٢٨٧٧) وقال محققوه: صحيح لغيره. وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٨/ ١٨٧).
(٧) تقدم تخريجه في تفسير سورة آل عمران آية ٢٢.