للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يمشون، وهي أرض سبخة، فلما انطلق النبي إليه قال: "إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك" فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله أطيب ريحًا منك. قال: فغضب لعبد الله رجال من قومه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ (١). ورواه البخاري في الصلح عن مسدد، ومسلم في المغازي، عن محمد بن عبد الأعلى كلاهما عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه به نحوه (٢).

وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال، فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر بالصلح بينهما (٣).

وقال السدي: كان رجل من الأنصار يقال له: عمران، كانت له امرأة تدعى أُم زيد، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها، فحبسها زوجها وجعلها في عِلِّية له لا يدخل عليها أحد من أهلها. وإن المرأة بعثت إلى أهلها، فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها، وإن الرجل كان قد خرج، فاستعان أهل الرجل، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها، فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم الآية، فبعث إليهم رسول الله وأصلح بينهم وفاؤوا إلى أمر الله تعالى (٤).

وقوله: ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ أي: اعدلوا بينهما فيما كان أصاب بعضهم لبعض بالقسط وهو العدل ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو قال: إن رسول الله قال: "إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين أيدي الرحمن ﷿ بما أقسطوا في الدنيا" (٥). ورواه النسائي، عن محمد بن المثنى، عن عبد الأعلى به (٦). وهذا إسناده جيد قوي رجاله على شرط الصحيح.

وحدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن أوس، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي قال: "المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا" (٧). ورواه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به (٨).


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ١٥٧) وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، الصلح، باب ما جاء في الإصلاح بين الناس (ح ٧٦٩١)، وصحيح مسلم، الجهاد، باب في دعاء النبي (ح ١٧٩٩).
(٣) سنده مرسل ويتقوى بما سبق.
(٤) سنده ضعيف لإرساله.
(٥) جوده وقواه الحافظ ابن كثير.
(٦) السنن الكبرى، القضاء، باب ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث (ح ٥٩١٧).
(٧) سنده صحيح.
(٨) صحيح مسلم، الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل (ح ١٨٢٧)، وسنن النسائي، آداب القضاة، باب فضل الحاكم العادل في حكمه ٨/ ٣٢١.