للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال آخرون: لا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه فطريقه إذًا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها، وأن يردَّ عنه الغيبة بحسبه وطاقته، لتكون تلك بتلك كما قال الإمام أحمد، حدثنا أحمد بن الحجاج، حدثنا عبد الله، أخبرنا [يحيى بن] (١) أيوب، عن عبد الله بن سليمان أن إسماعيل بن يحيى المعافري أخبره، أن سهل بن معاذ بن أنس الجهني أخبره، عن أبيه ، عن النبي قال: "من حمى مؤمنًا من منافق يغتابه، بعث الله تعالى إليه ملكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مؤمنًا بشيء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال" (٢). وكذا رواه أبو داود من حديث عبد الله وهو ابن المبارك به بنحوه (٣).

وقال أبو داود أيضًا: حدثنا إسحاق بن الصباح، حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا الليث، حدثني يحيى بن سليم أنه سمع إسماعيل بن بشير يقول: سمعت جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل الأنصاري يقولان: قال رسول الله : "ما من امرئ يخذل امرءًا مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في مواطن يحب فيها نصرته، وما من امرئ ينصر امرءًا مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في مواطن يحب فيها نصرته" (٤). تفرد به أبو داود.

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)﴾.

يقول تعالى مخبرًا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة وجعل منها زوجها، وهما آدم وحواء، وجعلهم شعوبًا وهي أعمُّ من القبائل، وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك، وقيل: المراد بالشعوب بطون العجم، وبالقبائل بطون العرب، كما أن الأسباط بطون بني إسرائيل، وقد لخصت هذه في مقدمة مفردة جمعتها من كتاب "الإنباه" لأبي عمر ابن عبد البر، ومن كتاب (القصد والأمم في معرفة أنساب العرب والعجم) فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله ، ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضًا، منبهًا على تساويهم في البشرية: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ أي: ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته.


(١) زيادة من (حم) و (مح) والمسند.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢٤/ ٤٠٦ ح ١٥٦٤٩) وضعف سنده محققوه.
(٣) أخرجه أبو داود من طريق عبد الله بن المبارك به (السنن، الأدب، باب من ردّ عن مسلم غيبة ح ٤٨٨٣) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤٠٨٦).
(٤) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه المصدر السابق (ح ٤٨٨٤) وسنده ضعيف لجهالة إسماعيل بن بشير (التقريب ص ١٠٦).