للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥)﴾.

﴿ق﴾ حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى: ﴿ص﴾ و ﴿ن﴾ و ﴿الم﴾ و ﴿حم﴾ و ﴿طس﴾ ونحو ذلك، قاله مجاهد وغيره.

وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا: ﴿ق﴾ جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف (١)، وكأن هذا، والله أعلم، من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب، وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افترى في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي وما بالعهد من قدم فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته؟ وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" (٢) فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تحيله العقول ويحكم فيه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل، والله أعلم.

وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين، وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم، ولله الحمد والمنة، حتى أن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، رحمة الله عليه، أورد ههنا أثرًا غريبًا لا يصح سنده عن ابن عباس فقال: حدثنا أبي قال: حُدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي، حدثنا ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: خلق الله من وراء هذه الأرض بحرًا محيطًا بها، ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلًا يقال له قاف، سماء الدنيا مرفوعة عليه، ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أرضًا مثل تلك الأرض سبع مرات، ثم خلق من وراء ذلك بحرًا محيطًا بها، ثم خلق من وراء ذلك جبلًا يقال له قاف السماء الثانية مرفوعة عليه، حتى عدَّ سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سماوات، قال: وذلك في قوله تعالى: ﴿وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ (٣) [لقمان: ٢٧]. فإسناده هذا الأثر فيه انقطاع، والذي رواه علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: ﴿ق﴾ هو اسم من أسماء الله ﷿ (٤).


(١) ذكره الطبري بنحوه دون نسبته لأحد.
(٢) أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو (الصحيح، أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ح ٣٤٦١).
(٣) سنده ضعيف لابهام شيخ أبي حاتم الرازي.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.